في ذكرى وفاته “عباس السيسي”: دعوة وجهاد وتاريخ في سبيل الله.. سنقاتل الناس بالحب

 أحد قامات دعوة الاخوان المسلمون فهو ممن علم وعمل بذل واعطى من أجل أن يصل بدعوة رب العالمين لكل الناس دائم الابتسامة إن شئت أسميته خفيف الظل بين الشباب نواة تجمعهم يلين لغير المتعلم فيعلمه ويناقش المتعلم فيوصل له المغزى والمقصد وهو صاحب اشهر كلمة في تاريخ الاخوان “سنقاتل الناس بالحب” .

مولده
ولد الحاج عباس حسن السيسي يوم 28نوفمر 1918م بمدينة رشيد بمحافظة البحيرة ، حصل على دبلوم المدارس الثانوية الصناعية، وتطوَّع بمدرسة الصناعات الحربية، بتوجيه من فضيلة المرشد العام الإمام حسن البنا، والتحق بورش سلاح الصيانة بعد التخرج .

التحاقه بالدعوة و نشاطه
تعرَّف على دعوة الإخوان المسلمين سنة 1936م، وبايع الإمام البنا على الالتزام بمنهج الدعوة ومنهج الجماعة في تبليغ دين الله عز وجل بالحسني .
اعتقل سنة 1948م مدة ستة أشهر، ثم في سنة 1954م مدة عامين، وفُصل من الخدمة سنة 1956م، ثم اعتقل مجدداً سنة 1965م، وخرج بعد تسع سنوات عام 1974م.
كان السيسي من دعاة الإخوان الأفذاذ، فقد كان يصل إلى قلوب الناس بحسن خلقه، وبشاشة وجهه، وجمال أسلوبه الدعوي، بالترفق بالناس، وإدخال السرور إلى قلوبهم، ومشاركتهم في مشكلاتهم، وتعميق العلاقة بهم، وإقامة أواصر الحب معهم، والتلطف بالصغير، والصبر على الجاهل، وتمتين الصلات الاجتماعية معهم، عن طريق التزاور، ومشاركة الناس في أفراحهم وأتراحهم ، وهو بسيط في مظهره، كثير الدعابة لإدخال السرور على من حوله، ولكن بأدب الإسلام، يروي القصص بأسلوب مشوق جميل، ويهدف من كل ذلك إلى استمالة قلوب المدعوين إلى دعوة الحق، ومنهج الحق، ودين الحق، صبَرَ في كل المحن التي تعرض لها.
له إسهام كبير في نشر الدعوة داخل مصر وخارجها، وله محبون وتلامذة في أكثر أنحاء العالم العربي، وفي الغرب.
يعد الحاج “عباس السيسي” من الرعيل الأول لجماعة الإخوان المسلمين الذين حملوا رسالة الدعوة، وثبتوا على حملها، والتصدي لكل قوى الظلم والجور التي سعت لتعطيل المسيرة، أو إيقاف القافلة.
كان يستوعب الشباب وحماسهم، ويوجه هذا الحماس لخير الأمة والدعوة، وكان يعالج تطرف أفكارهم بالحب واللين، ويقول: سنقاتل أعداءنا بالحب.
ومن طرائفه : أنه كان يركب “الترام” مرة، فمر على قدم رجل من الركاب، فقال له الرجل: أنت حمار؟ فكان جواب الحاج عباس بمنتهى اللطف: لا أنا سيسي، فضحك الرجل، وكانت أحاديث دعوية بينهما.
ويُجمع الذين زاملوه في السجن، أو شاهدوه في حال المرض، أنه كان دائم الابتسام مع القريب والبعيد، والعدو والصديق، حتى مع السجانين الذين كانوا يعذبّونه وإخوانه في السجون، وكانوا يطلقون عليه: معلم الحب والذوق، ويعتبرون مدرسته الدعوية، مدرسة الحب في الله، لأنه صاحب البسمة والقلب الكبير، ولأنه لا يؤمن بالعنف.
وكان له دور كبير في سبعينيات القرن الماضي، في التأثير الإيجابي على شباب الجامعات، في الابتعاد عن العنف ونبذه منهجاً وطريقاً في الدعوة إلى الله.
وكان له أكبر الأثر في اعتدال المزاج والسلوك والإسلامي، خاصة في مدينة الإسكندرية، حيث كان يحرص على التواصل مع الشباب، ويكثر من اللقاءات بهم، من خلال الندوات والمحاضرات، فكانت جهوده هذه فتحاً كبيراً للدعوة الإسلامية في أوساط الشباب وغيرهم.
ولقد أكرم الله الكثير من شباب الجامعات المصرية في الإسكندرية والقاهرة وغيرها، بالالتزام بهذا المنهج الوسط، والبعد عن التشدد والتزمت، والانخراط في صفوف الإخوان المسلمين، باعتبارهم الجماعة التي تلتزم بمنهج الكتاب والسنة، وما أجمع عليه سلف الأمة، بعيداً عن التزمت أو التفلت، ومن غير إفراط ولا تفريط، ولا جمود ولا تطرف: وكذلك جعلناكم أمة وسطا (البقرة:143).

قالو عنه
يقول المهندس خيرت الشاطر النائب الثاني للمرشد العام عن الحاج عباس السيسي في وداعه “ودعنا رجلاً من رجالات دعوة الإخوان المسلمين البارزين، الذي كان وسيظل معلماً بارزاً في مسيرة دعوتنا، حيث كان له دور متميز في داخل هذه الدعوة المباركة، سواء في مرحلة التأسيس، وحتى مطلع الخمسينيات، أو في مرحلة المحن والسجون من الخمسينيات وحتى مطلع السبعينيات، ثم في مرحلة استئناف وإعادة التأسيس منذ السبعينيات وحتى مرضه في السنوات الأخيرة، وليس فقط على مستوى الإسكندرية، ولا على مستوى مصر بأسرها، بل مستوى العالم العربي والعالم كله، ولقد ترك آثاراً واضحة وبصمات في كل مكان ذهب إليه وارتبط اسمه بالحب والبشر”.
ويقول الأستاذ جمعة أمين عبدالعزيز رحمه الله عنه ” رجلاً من رجالات الدعوة، ربى رجالاً عدة، ولو أردنا أن نكتب تاريخه، ما وسعنا سفر من الأسفار، عشنا معه عمراً، فلم نر فيه حقيقة إلا قول الله عز وجل: “من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى” نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا” (23 الأحزاب). فكان نعم الرجل، ونعم المربي، ونعم المجاهد، تعرفه مجالس الإخوان في مصر، ويعرفه من عاش معه في أوروبا وأمريكا، ويشهد له رجال وشباب قابلهم من كل بقاع الدنيا، وله بصمة في نفوسهم.
لقد رحل عنَّا أخ حبيب، ومعلم وأستاذ، عشت معه، وكنا معاً كما قال ربنا: “أشدد به أزري 31 وأشركه في أمري” 32 (طه)، فكان نعم الرجل والأستاذ والمربي، إنه رجل لا يموت، لأن تاريخه باق فينا وأثره. لقد صُبَّ عليه البلاء صباً، وأصابه المرض فترة طويلة، ولكنه كان نعم الرجل الصابر المحتسب، كنا نزوره في مرضه، فنجد لسانه قد أثقل عليه في الكلام،
ولكنه بمجرد لقاء إخوانه وجلوسهم معه فترة، نجد لسانه وقد انطلق لمجرد رؤيته لإخوانه، كان يفيض حباً، وكان بمثابة الماء الذي يروي نبت الدعوة وزرعها، لقد كان كتاباً صفحاته مضيئة..علمنا فيها أن الدعوة حب، وعلمنا أنه لا عنف في دعوتنا، كتبها في كتبه، وبثَّها إلينا، وربَّانا عليها، وعلقها في بيته ليراها كل زائر، سلوانا أنه ترك لبنات ولبنات يشتد بها البناء ويعلو بإذن الله ، لا نملك إلا أن نرفع أكف الضراعة إلى الله في هذه المصيبة، كما وصفها الله تعالى، مصيبة الموت، مؤكدين “إنا لله وإنا إليه راجعون” وإن كان غاب عنَّا الأستاذ عباس السيسي، فقد ترك خلفه تلاميذ ملء السمع والبصر، نسأل الله أن يتقبله في الصالحين، وأن يثبتنا على الحق ويلحقنا به على خير”.
و قال المرشد العام السابق “محمد مهدى عاكف” إن الجماعة فقدت برحيل الأستاذ عباس السيسي واحداً من القلوب التي كانت تنبض بحب الدعوة، وتحيا لها، مسخرة كل طاقاتها لله عز وجل .
“عزاؤنا أن الله اختاره إلى جواره في أيام الشهر الكريم شهر رمضان المبارك، واختصَّه بيوم عيد للمسلمين هو يوم الجمعة، ولئن كان قد رحل عن دنيانا، فإن سيرته تحيا ما بقيت دعوة الله، وتنبض حياته في قلب كل قارئ لكتبه التي أثرت مكتبة الدعوة، فاللهم تقبّله في الصالحين، وأنزله منازل الشهداء والصديقين، وأكرم ضيافته يا أكرم الأكرمين”.

مؤلفاته
له عشرات المؤلفات والكتيبات منها :
الدعوة إلى الله حب
حسن البنا مواقف في الدعوة والتربية
جمال عبد الناصر وحادثة المنشية بالإسكندرية
الطريق إلى القلوب
حكايات الإخوان
الذوق سلوك الروح
الحب في الله
في قافلة الإخوان المسلمين
رشيد المدينة الباسلة
دعوة الإخوان حب

اشهر أقواله
“الدعوة إلى الله حب، والحياة في سبيل الله أشق من الموت في سبيل الله ألف مرة”.
“إن الجهاد بالحب في الله، هو الفرصة المتاحة، والسياسة المباحة، التي لا تعوقها حدود ولا يصادرها قانون، لأنها نبض وهواتف ومشاعر وأحاسيس والحب في الله هو السبيل الذي ليس له نظير ولا مثيل ” .
“الإسلام زوق، والإسلام لطائف، والإسلام أحاسيس ومشاعر، هذا الدين يتعامل مع النفس البشرية، يتعامل مع القلوب والأرواح” .
“هذا الدين لم يبدأ باستعمال العضلات، ولا خشونة الكلمات، ولا بالتصدي والتحدي، ولكن بالكلمة الطيبة، والنظرة الحانية، قال تعالى: “وقولوا للناس حسنا” (البقرة:83)” .
“الدعوة إلى الله فن والصبر عليها جهاد” .

وفاته
توفي يوم الثامن من شهر رمضان سنة 1425هـ الموافق 22 أكتوبر 2004 م، بعد صرع مع المرض طويل، ولكنه كان الصابر المحتسب حتى لقي ربه وقد صُلِّي عليه في “مسجد الحق” بمدينة رشيد عقب صلاة العصر، وحضر تشييع الجنازة أكثر من خمسة وعشرين ألفاً، في مقدمتهم المرشد العام السابق الدكتور محمد مهدي عاكف الذي أمّ المصلين في صلاة الجنازة، ودُفن في مقابر مدينة رشيد .
رحمه الله رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جناته، مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً .