عرب ميكرونيزيا.. عَبَدة المفاوضات

 بقلم: وائل قنديل

 

يقول الخبر إن‏ وزراء خارجية ست دول عربية سيتجمعون في عمان في 6 يناير، للتباحث بشأن قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، نقل سفارة بلاده إلى القدس المحتلة. وفي التفاصيل إن هذه الدول هي الأردن ومصر وفلسطين والسعودية والإمارات والمغرب.

 

هؤلاء في الحقيقة يشكلون ما جرى وصفه بمحور “عرب ترامب”، فهم الأكثر مواظبة على أداء طقوس التطبيع، والالتزام بما يفرضه الرئيس الأمريكي المتصهين على جدول أعمال المنطقة، والأكثر حرصًا على طلب وده، والأشد سخاء في دعمه، ماليًا وسياسيًا.

 

السؤال الأساس هنا: لماذا يجتمع هؤلاء فقط، وبعيدًا عن مظلة عربية جامعة، وما سر الإصرار على استبعاد الأطراف العربية الأخرى؟

بدو من قائمة المجتمعين وكأنها قد شكلت على النحو الذي يرضي إسرائيل، فثلاث من الدول تحكمها أنظمة تستمد وجودها من الانخراط في علاقات تعاون سياسي وأمني وتجاري مع الكيان الصهيوني، وهي الأردن ومصر والسلطة الفلسطينية، فيما تبدي السعودية والإمارات حماسًا متصاعدًا للدخول في علاقات مباشرة مع الاحتلال، عبر صفقة القرن، وهو ما تفضحه التصريحات الصادرة من تل أبيب، والزيارات السرية التي تتزايد الشهادات والدلائل على حدوثها، فضلاً عن أن المغرب يحتفظ بعلاقات مع الكيان الصهيوني منذ فترة طويلة.

 

يعني ذلك أن المطروح في المباحثات المنتظرة ليس وسائل لمجابهة قرار ترامب، وإنما محاولة فرض آلية للتعايش مع القرار، أمرًا واقعًا، ثم العودة إلى دائرة التفاوض العبثية، بعد أسبوعين من غليان الشارع العربي، غضبًا من قرار تهويد القدس.

 

ولو وضعت إلى جانب ما سبق التهديدات والضغوط التي تمارستها عواصم عربية ضد رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، كي يخضع لإملاءات صفقة القرن، فإن الاجتماع لن يخرج عن كونه مناسبةً لمواصلة ابتزاز السلطة الفلسطينية التي لوّحت بإنهاء عملية السلام، وإلغاء اعتبار الإدارة الأميركية وسيطاً أو راعيًا للتفاوض.

 

الشاهد أنه، بعد مرور أسبوعين على قرار ترامب، وما تلاه من ردود أفعال في مجلس الأمن والأمم المتحدة، لم يتجاوز رد الفعل الرسمي العربي عن ذرّ الرماد في العيون، والكمون المؤقت أمام هبة الشارع العربي، ثم محاولات تبريدها بالرهان على عنصر الوقت، من دون أن تقدم عاصمة واحدة على اتخاذ إجراء عملي واحد ضد واشنطن وتل أبيب، وتوابعهما من الدول الصغيرة التي أيدت القرار الأمريكي.

 

وإذا كان الواقع يقول إن أيًّا من الأطراف العربية لا يستطيع الدخول في مواجهة مع الثنائي الأمريكي الإسرائيلي، فإنه كان من الممكن الإقدام على إجراءات وخطوات أخرى لا تورد أصحابها التهلكة.

 

مثلاً.. لو كان النظام الرسمي العربي جادًّا حقًّا في مجابهة مؤامرة تهويد القدس فقد كان من المستطاع ببساطة شديدة معاقبة كل دولة قررت أن تحذو حذو واشنطن، وتنقل سفارتها إلى القدس المحتلة بسحب السفراء العرب منها، ومقابل كل سفارة تفتح في القدس، تغلق 22 سفارة عربية في الدولة التي استجابت للضغط الأمريكي الصهيوني.

 

ندرك تمامًا عجزكم، ونعرف أنه لا يكلف الله نفسا إلا وسعها، وأنه ليس في مقدوركم سحب سفرائكم من واشنطن، لكن تستطيعون فعل ذلك مع دولة ضئيلة الحجم، باعت نفسها مجتمعة بنحو عشرين مليار دولار دفعتها واشنطن لقاء التصويت في الأمم المتحدة لصالح إسرائيل، كما ورد على لسان تشارلز موران، المسئول في الحزب الجمهوري الأمريكي.

 

هل سمعت أن دولة عربية واحدة قررت تجميد علاقاتها الدبلوماسية مع ميكرونيزيا (‏105 آلاف نسمة) أو ناورو ‏(14 ألف نسمة) أو بالاو (20 ألف نسمة) أو جزر مارشال (53 ألف نسمة)؟ هل فكر أحد في الإقدام على إعلان موقف دبلوماسي ينتصر للقدس بمواجهة جزر ودويلات لا يزيد تعداد سكانها مجتمعة عن نصف عدد الفلسطينيين في القدس المحتلة؟

 

الحقيقة أن الذين أعلنوها حربًا على قطر الشقيقة لا يجرءون، أو بالأحرى لا يريدون أن يفرضوا إجراء واحدًا من إجراءات الحصار الاقتصادي والسياسي والاجتماعي التي فرضوها على الشعب العربي في الدوحة، بل تقول الملهاة إن من دول حصار قطر من سبقت أمريكا وتل أبيب في اتباع آلية تقديم الرشى لجزر ودويلات متناهية في الصغر، لكي تساعدها في الحصار.

 

هؤلاء ليسوا أقل خضوعًا لمشيئة ترامب من ميكرونيزيا.