عبد الرحمن يوسف يكتب: هيئات وتهيؤات المملكة

عاشت المملكة العربية السعودية عشرات السنين تحت رحمة ما يسمى بهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. 

تلك الهيئة التي نغصت على أهل المملكة والمقيمين فيها عيشتهم، فمنعتهم من كثير من الطيبات التي أحلها الله، بسبب رؤية بدوية متخلفة للفقه الإسلامي، وفي الوقت نفسه كانت دائماً تقف صلاحياتها أمام أسوار قصور آل سعود وأشياعهم.

هذه الهيئة تفننت في إهانة الناس، وأهدرت كرامتهم، بشتى الطرق، برجالاتها غلاظ القلوب، الذين لا يعذرون صاحب عذر، ولا يوقرون صاحب كرامة، ولا يحترمون صاحب علم.

***

هيئة أخرى في المملكة لها دور كبير… هي هيئة كبار العلماء، على رأسها دائماً عالم يُسمع ويُطاع، بياناتها وفتاواها هي المرجع للسائلين، والمنارة للتائهين، والدليل للحائرين.

كم حرمت هذه الهيئة أمورا ما هي بحرام، وكم ضيقت واسعاً، وكم ثبت للناس رؤيتها المتخلفة للإسلام، ذلك الدين العظيم الذي يصلح لكل زمان ومكان، ولكن بسبب رؤية هؤلاء البدو الأجلاف تحول الإسلام إلى رؤية رجعية للحياة، لا تتماشي مع العصر، ولا تروي عطش الإنسان روحياً وعقلياً.

لقد حرمت هذه الهيئة التصوير الفوتوغرافي (مثلا)، ولكن داس قطار التكنولوجيا جميع فتاواهم، وحرموا قيادة المرأة للسيارة، ويشاء الله أن تدوس “إيفانكا ترامب” بحذائها ذي الكعب العالي هذه الفتوى!

***
هيئة سعودية أخرى… هيئة الترفيه … وما أدراك ما هيئة الترفيه !

تلك الهيئة التي تدوس تاريخ المملكة بسلطة ولي العهد القادم من المجهول، هيئة فوق الهيئات، إنها الهيئة الأكثر تعبيراً عن حقيقة الحكم في المملكة اليوم، ذلك الحكم الذي تستر بالإسلام عشرات السنين والإسلام منه براء.

شعار هيئة الترفيه… لا صوت يعلو فوق صوت “الهشتكة” سنقيم الاحتفالات في طول البلاد وعرضها، سنبدأ بالرياض، وسننتهي بمكة والمدينة، مروراً بخميس مشيط، ولن نترك خيمة في فلاة، أو برنامجاً في قناة… دون أن يدخله نور هيئة الترفيه!

لقد تم تحويل اختصاصات هيئة كبار العلماء وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى هيئة الترفيه!

هيئة الترفيه هي من يحدد المعروف والمنكر، وهي من يعلم الحلال والحرام، وهي من يملك مفتاح باب الاجتهاد فتغلقه حيناً وتفتحه حيناً، وهي صاحبة “السدّادة” التي تُسدُّ بها الذرائع، وهي من تُرسل المصالح المرسلة، وهي من تؤصل أصول الفقه، والويل كل الويل لمن… كدت أقول (لمن يعترض)، ولكن الحقيقة أن الويل كل الويل لمن لا يعلن تأييده المطلق الكامل لسياسة “الهشتكة” من هيئة الترفيه، والدليل على ذلك مئات المساجين من العلماء والمثقفين الذين لم يرتكبوا جرماً سوى الصمت.

***
في هذه الأجواء، خرج علينا بيان هيئة من هيئات الماضي هي هيئة كبار العلماء، بيان يحذر من (الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين).. يقول البيان :

حذرت الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء من خطر الاتحادات التي تصنف نفسها على أنها علمية، وهي بالأساس قامت على أفكار حزبية، وأغراض سياسية، ولا تمت للعلم والعلماء بصلة.

وتابع البيان: إنه من خلال رصدنا لما يصدر عن هذه الاتحادات، لا سيما ما يسمى بـ “الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين”، لاحظنا أنه ينطلق من أفكار حزبية ضيقة، مقدماً مصلحة حركته على مصلحة الإسلام والمسلمين، وكان لهذا الاتحاد دور في إثارة الفتن في بعض الدول الإسلامية والعربية على وجه الخصوص.

وأضاف البيان ” ننصح الجميع، ولا سيما طلبة العلم بالابتعاد عن الانتساب إلى هذه الاتحادات، كما ننصح طلبة العلم في المملكة العربية السعودية بعدم الانتساب إلى أي اتحاد أو مجمع غير معتمد من الدولة”.

***
كلنا يعلم أن هذا البيان صادر عن هيئة الترفيه لا عن أي هيئة أخرى، والرد على السادة أعضاء الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء المزعومة تضييع لوقت الكاتب والقارئ.

وكان أولى بالسادة في هيئة الترفيه أن يصدروا هذا البيان دون توريط الإخوة في هيئة كبار العلماء، ويبدو أن هيئة كبار العلماء وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لم يعد لهم من دور سوى دور كلب الحراسة الذي يؤمر بالنباح (أو العض) فيطيع من يطعمه.

قد يظنني البعض أجرح أو أطعن في علماء أفاضل، والحقيقة أنني أسمي الأمور بأسمائها لا أكثر.

وفي النهاية … أنا على استعداد تام للاعتذار للسادة أعضاء هيئة كبار العلماء السعودية ولكن بعد أن يجيبوني عن سؤال واحد !

هناك أسئلة كثيرة تطرح عليهم اليوم … مثل : ما حكم الشرع في الاستماع للموسيقى؟ وما حكم الاختلاط بين الرجال والنساء؟ وما حكم إنفاق المال العام على هذه الحفلات؟ وما حكم شراء المسلم لتذاكر حفلات هيئة الترفيه؟ (وهي بآلاف الريالات)؟ وما حكم من يسمح لأهل بيته بناته وزوجته بالذهاب لهذه الحفلات؟ هل هذه “دياثة” (كما كانت قيادة المرأة للسيارة “دياثة” ذات يوم)؟

هذه جميعها أسئلة يطرحها الوضع الحالي في المملكة … ولكني لن أطرح أي سؤال من تلك الأسئلة السابقة … بل أطرح سؤالا واحدا فقط على هيئة كبار العلماء السعودية … هو :

ما حكم الحاكم الذي يقرر إقامة هيئة “للترفيه” دون استشارة هيئة كبار العلماء وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟

إذا كان قد أقامها بعد استشارتكم… فأولى بكم أن تتحولوا إلى “تخت شرقي” في عصر “الهشتكة”، فهذا أشرف لكم من الرضا بدور كلب الحراسة.

أما إذا كان الحاكم لم يستشركم… فأولى بكم أن تأمروه بالمعروف، وأن تنهوه عن المنكر… وبعد ذلك من الممكن أن يُسمع رأيكم في مواضيع أخرى… قد يكون من بينها رأيكم الموقر في الانضمام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.

إن ما يحدث اليوم في المملكة العربية السعودية أمر مؤسف، أن تتحول الهيئات إلى تهيؤات، وأن تحاول هذه الهيئات التي خلعت كرامتها، ورمت وقارها… أن تفرض على الآخرين تهيؤاتها.

سؤالي موجه للسادة (وليجب أحدهم إن كان فيهم شبه رجل):

الشيخ عبد العزيز بن عبدالله بن محمد آل الشيخ
الشيخ صالح بن محمد اللحيدان
الشيخ الدكتور صالح بن فوزان الفوزان
الشيخ الدكتور عبد الله بن محمد آل الشيخ
الشيخ الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي
الشيخ عبد الله بن سليمان المنيع
الشيخ الدكتور صالح بن عبد الله بن حميد
الشيخ الدكتور عبد الله بن محمد المطلق
الشيخ الدكتور أحمد بن علي سير المباركي
الشيخ سعد بن ناصر الشثري
لشيخ الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى
الشيخ الدكتور عبد الوهاب بن إبراهيم أبو سليمان
الشيخ عبد الله بن محمد الخنين
الشيخ الدكتور يعقوب بن عبد الوهاب الباحسين
الشيخ عبد الرحمن بن عبد العزيز الكليّة
الشيخ محمد بن حسن آل الشيخ
الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير
الشيخ الدكتور محمد بن محمد المختار محمد الشنقيطي
الشيخ الدكتور سليمان بن عبد الله أبا الخيل
الشيخ الدكتور جبريل بن محمد بن حسن البصيلي
الشيخ د. صالح بن عبد الله بن حمد العصيمي