طبيب وأديب.. وفاشي أيضًا

طبيب وأديب.. وفاشي أيضًا

كتب علاء الأسواني يقول “شماتة الإخوان في اعتقال شباب الثورة سلوك ساقط أخلاقيا ودينيا وأكبر دليل على ضرورة فصل الدين عن الدولة، الإخوان يعميهم التعصب الديني عن حقيقة أن ملايين المصريين رفضوا حكمهم. لم أندم على اشتراكي في 30 يونيو برغم انحرافها عن مسارها. الفاشية الدينية ليست أفضل من الفاشية العسكرية”.

بالطبع، لا يستطيع أحد أن يصادر حق علاء الأسواني في الفخر بالمشاركة في “30 يونيو”، التي تركها غائمة عائمة من دون أن يسميها، فلم نعرف هل يعتبرها ثورةً مضادة أم انقلاباً، رعته إسرائيل وحمته، ومولته الإمارات والسعودية، واشتغل الأسواني وآخرون في حشد الناس له، تدليساً وتلبيساً.

من حقه، بل من واجبه، أن يلفظ الفاشية الدينية، ويهاجمها بلا هوادة، لكن أن يقول إن الفاشية الدينية ليست أفضل من الفاشية العسكرية، فهذا يعني منطقاً ولغةً أنه يميل إلى الفاشية العسكرية، ويراها أفضل.

ومع ذلك، لا مصادرة لحقه في المفاضلة والاختيار بين فاشيتين، غير أنه من حقنا أن نتحدث عن فاشيةٍ أخرى، تبدو أكثر فظاعةً وبشاعة، هي فاشية المثقف الذي لا يمانع في قطع رقاب، وإراقة دماء الذين رفضوا أن يكونوا مثله، منحازين للفاشية العسكرية، ضد ما يراه فاشيةً دينية.

الثابت، مكتوباً ومصوراً ومتلفزاً، أن علاء الأسواني، الكاتب والطبيب الحاصل على الماجستير من جامعة إلينوي في شيكاغو، كان أحد المحرّضين على مذبحة سربرينتشا المصرية، في ميدان رابعة العدوية، أغسطس/ آب 2013، حين طالب بفض اعتصام الرافضين انقلاب الفاشية العسكرية على ما يعتبرها “فاشية دينية” بالقوة، بل وبالقوة المسلحة، كما ظهر في فيديوهات موجودة على مواقع التواصل الاجتماعي، حتى الآن.

كان الأسواني ممن الذين ذهبوا إلى اجتماع “فيرمونت” الشهير، للتصدي لمحاولات تزوير نتيجة الانتخابات الرئاسية، وإسقاط الفائز محمد مرسي. وكان الأسواني في طليعة الذين ذهبوا لتهنئة مرشح “الفاشية الدينية” بعد إعلان فوزه رسمياً، وكان ممن انضموا للجبهة الوطنية التي تشكلت دفاعاً عن حق الفائز، وحضر اجتماعاتها وشارك في مناقشاتها في مقر الحملة الانتخابية للمرشح عبد المنعم أبو الفتوح، فك الله أسره.

فيما بعد، كان الأسواني أكثر المتحمسين للفاشية العسكرية، داعماً انقلاب عبد الفتاح السيسي، ما جعل كاتباً بحجم البريطاني روبرت فيسك يضرب كفاً بكف، وهو يستمع لقصائد غزل الأسواني في السيسي، حتى كاد يقنعه أنه أفضل من أيزنهاور. وبالطبع، لا يمكن لأحد أن يصادر حقه في أن يرى السيسي على هذه الصورة، وأن يتحول، في غضون عام فقط، من متحمس لانتخاب مرشح ما يعتبرها “فاشية دينية” إلى بوق لانقلاب الفاشية العسكرية الصريحة.

أجرى الأسواني، في العام 2015، حواراً مع “بوابة يناير”، ادّعى، في بدايته، أنه لم يشارك في اجتماع فيرمونت “أنا محضرتش فيرمونت، أنا مظلوم في موضوع فيرمونت ده خالص”، لكنه في الفقرة التالية يضيف “بعد الاجتماع، قلت لدكتور عبد الجليل، أنا لن أوقّع مع هؤلاء الناس، وأنا لا أثق في هذا الرجل” (يقصد مرسي). والسؤال هنا: إذا لم تكن قد حضرت الاجتماع، فكيف يكون مطروحاً عليك التوقيع، أو عدم التوقيع، مع الأخذ في الاعتبار أن الاجتماع ضم أكثر من أربعين شخصية، كلهم رأوك واستمعوا لك؟ السؤال الأهم: إذا كنت قد قلت للدكتور عبد الجليل (مصطفى) إنك لا تثق في هذا الرجل (الرئيس مرسي)، فلماذا تأنقت وبكرت في الذهاب إليه في القصر الجمهوري، مهنئاً وسعيداً بفوزه، ومصافحاً ومحتضناً؟ كيف تهرول لتهنئة مرشح الفاشية الدينية بهذه الخفة والرشاقة، بينما أنت تراها ليست أفضل من الفاشية العسكرية؟

حسناً، ربما كنت مخدوعاً فيه، فلما اكتشفت حقيقته قرّرت الانتقال من فاشيته الدينية، ميمماً وجهك شطر الفاشية العسكرية، وهذا أيضاً أمر يخصك وحدك، وليس من حق أحد التدخل في اختياراتك، ويبقى ما يهمنا هنا: كيف طاوعك ضمير الأديب الطبيب المثقف على الضغط والإلحاح على السلطة الجديدة أن تقدم على إبادة اعتصام الرافضين للانقلاب بالقوة المسلحة؟.

طبيب وأديب، ويحرّض على مجزرة! هل حدث ذلك في التاريخ؟

نعم، حدث مرة واحدة مع مذبحة سربرينتشا في البوسنة يوليو/ تموز 1995 على يد أديب وشاعر وطبيب، هو رادوفان كاراديتش، الحاصل على الدكتوراه من جامعة كولومبيا الأميركية، أيضاً، والذي عاقبته الجنائية الدولية بالسجن مدى الحياة.