خالد فهمي : كأن القرآن يتنزل من جديد

كأن
القرآن يتنزل من جديد
17/1439
……
يقول الله العلي العظيم المتعال
(فَلَمَّا جَاءَهُم مُّوسَىٰ بِآيَاتِنَا بَيِّنَات
ٍ قَالُوا مَا هَٰذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّفْتَرًى
وَمَا سَمِعْنَا بِهَٰذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ).
……
هذه آية تمثل طبيعة الحجاج عند الاقتراب من هزيمة الاستبداد والباطل والانحراف والفساد.
والآية عنوان على إسقاط ما في نفوس معسكر الباطل على من يقاومونه.
طوى الكتاب العزيز أخبار الأنس بالنار.
والمسير في رحلة العودة إلى الأوطان قصدا إلى محل الاعتبار على حد تعبير الطاهر ابن عاشور في التحرير والتنوير.
وهذا الطي يحفز العقل المعاصر إلى الانتقال العملي إلى ما يفيد.
ويحفزه إلى نمط جديد من إدارة الوقت لصالح إنجاز المهم من الأعمال.
ويحفز العقل المعاصر كذلك إلى نمط من العناية بترتيب الأولويات.
ويحفز الحالة الإبداعية المعاصرة إلى نمط من التقنيات الجمالية والفنية في الكتابة القصصية تعنى بصناعة مناطق الفراغ في تتابع الأحداث تحفيزا للمتلقي على الخيال والاتحاد في الأعمال القصصية عند التلبث بتلقيها.
(جاءهم موسى بآياتنا بينات ):خبر يعلن أن ما كان منه في مدين كان تهيئة لخدمة الوطن والأهل واستعدادا لحقبة العودة.
وبرهان على المعارضة المهاجرة إن لم يكن أمرها قائما على رعاية شئون الوطن والاستعداد لمعاونته في تجاوز أزمته فهي على غير هدي الكتاب العزيز وهي ساعة تخالف فإنها لم تفقه العبرة من القصص في الكتاب العزيز.
الآيات البينات :هي حصاد التكوين في مهاجر موسى. وهي حصاد التحصيل في رحلة الاستعداد للعودة. وهي حصاد ما حرص عليه موسى في رحلة التمهيد لمقاومة الضلال والاستبداد.
الآيات البينات :نمط من أدوات المقاومة الحضارية تحرص على مواجهة العلو الفاجر بالتفوق في ما سبيله القضاء على فتنة العلو والاستكبار والتجبر في الأرض.
والآيات البينات :نواتج التقوى والوفاء وتأييد السماء.
والآيات البينات : حسن توظيف للعقل والثقافة .
والآيات البينات :القوى الناعمة التي تقدر ما سكن العقل الإنساني من معارف ومواهب وتحترمها ابتداء في كل إنسان ولو كان خصما أو عدوا.
الآيات البينات :إشارة إلى الاستراتيجيات الثابتة في المقاومة والمعارضة والحركة للتغيير على خلفية الاعتماد على العقل والثقافة والأفكار ومنجز اللسان لا السنان.
و (إن هذا إلا سحر مفترى):إشارة إلى اهتزاز الثقة في تيار الاستكبار.
وإشارة إلى الهزيمة أمام قوة الآيات البينات.
وإشارة إلى وسائل الاستبداد الملفقة والمزيفة والمختلقة والمصطنعة.
إن حصر وصف ما جاءهم به موسى فيما جاء في هذا الجزء من الآية يكشف عما دأبوا على ممارسته وتغيير عقائد الجماهير على وفقه حتى صدقوه وصار الوجه الوحيد لمقاومة الحق الذي جاء يتهدد منظومة تجبرهم وباطلهم.
الحصر في جزء الآية :علامة هيمنة الآلة التي طالما مارس بها الاستبداد السيطرة على نفوس جماهيره وهندسة عقولها.
والدليل على سقوط حجة فرعون أنه سيلجأ لما سماه السحر المفترى في مواجهة موسى.
فرعون ليس أمامه إلى الخطاب المفترى عند احتدام المواجهة.
وهو السلاح الوحيد الذي يحسن استدعاءه.
الخطاب المفترى :هو استراتيجية أنظمة الاستبداد ومؤسسات الباطل.
الخطاب المفترى ظاهر في أول بيان لمؤسسة فرعون في مواجهة مبادرته التي تروم إصلاح الأمة.
والخطاب المفترى ظاهر في الشغب على موسى بما كان من رعايته في بيت الملك.
والخطاب المفترى ظاهر في التشويش الإعلامي على فصاحة موسى بغير حق أولا وبنقل المواجهة بعيدا عن المركز إلى هوامش شاغبة.
(وما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين)؛بداية النهاية لحجة الاستبداد والباطل باستدعاء حشد الجماهير خلف المواريث والنعرات القومية في مواجهة أفكار الإصلاح.
وجزء الآية هذا استمرار في استراتيجية الخروج للهامش بعيدا عن الجوهر والمركز.
الجوهر كامن في دعوة الناس إلى الله الخالق وخطاب الهامش استدعاء القوميات والثقافات المحلية والآباء الراحلين.
ومنطق الحجاج الصحيح هو مواجهة المركز بما هو من جنسه.
ومواجهة الفكرة وشواهدها وقرائنها وأدلتها بالفكرة الأخرى بشواهدها وقرائنها وأدلتها.
تعرت مؤسسة الاستبداد /فرعون يوم حصرت دعوة مؤسسة التغيير واللصلاح/موسى في أنها سحر مفترى.
وتعرت يوم استدعت مؤسسة السحر المفترى الداخلية لمواجهة موسى!
وتعرت مؤسسة فرعون يوم انحرفت عن مركز المواجهة وتترست بالجماهير التابعة والخائفة والمشوهة.
وتعرت مؤسسة فرعون يوم نقلت المواجهة من مواجهة الفكرة إلى مواجهة الآباء.
وتعرت يوم أحيت القوميات.
وتعرت يوم استدعت خطاب الاستقطاب.
وتقسيم المجتمع إلى فئات وطبقات وقطاعات.
وتعرت لتدخل على مضمار النهايات.