خالد أبوشادي: • البيت المسلم

خالد أبوشادي:

• البيت المسلم

1- الوالد

قال ﷺ: «الوالد أوسط أبواب الجنة».

قال البيضاوي: «أي خير الأبواب وأعلاها، والمعنى أن أحسن ما يُتوسل به إلى دخول الجنة، ويُتوصل به إلى الوصول إليها مطاوعة الوالد ورعاية جانبه».

قال شُرَّاح الحديث: والمراد بالوالد الجنس فيشمل الوالد والوالدة، أو إذا كان حكم الوالد هذا فحكم الوالدة أقوى وأولى.

ولاستحالة أن تستطيع أداء حق الوالد عليك فقد ضرب النبي ﷺ هذا المثل الجميل فقال ﷺ: «لا يجزي ولد والدا إلا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه».

ومعنى الحديث: لا يستطيع الولد أن يكافئ والده إلا بأن يُخلِّصه من الرِّق بشرائه، وهذا الشراء إيجاد جديد له لأن الرقيق كالمعدوم لاستحقاق غيره منافعه، فتسببه في عتقه وتخليصه من ذلك كأنه إيجاد له من العدم، لأن والدك كان سبب إيجادك المادي، ولكي تؤدي حقه عليك فلابد أن تكون سببا في إيجاده المعنوي وذلك بعتقه، وهذا مستحيل، وكذلك: مجازاة الوالد على فضله مستحيلة ولا تُتّصوَّر، فصار هذا كقوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّىٰ يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ﴾ [ الأعراف: 40 ].

ولفضل الوالد العظيم وقدره النبيل قيل لمجاهد: ينادي المنادي بالصلاة، ويناديني رسول أبي؟! قال: «أجِب أباك»، وعن ابن المنكدر قال: «إذا دعاك أبوك وأنت تصلي فأجب».

ومن حق الوالد على ولده ما رواه أبو غسان الضبي أنه خرج يمشي بظهر الحرة وأبوه يمشي خلفه، فلحقه أبو هريرة t، فقال: من هذا الذي يمشي خلفك؟ قلت: أبي. قال: «أخطأت الحق ولم توافق السنة، لا تمش بين يدي أبيك، ولكن امشِ خلفه أو عن يمينه، ولا تدع أحدا يقطع بينك وبينه، ولا تأخذ عِرقًا (أي: لحما مختلطا بعظم) نظر إليه أبوك، فلعله قد اشتهاه، ولا تُحِدَّ النظر إلى أبيك، ولا تقعد حتى يقعد، ولا تنم حتى ينام».

2- الوالدة

عن معاوية بن جاهمة السلمي t قال:

«أتيتُ رسول الله ﷺ فقلت: يا رسول الله!! إني كنت أردت الجهاد معك أبتغي بذلك وجه الله والدار الآخرة. قال: ويحك!! أحية أمك؟! قلت: نعم. قال: ارجع فبِرَّها، ثم أتيتُه من الجانب الآخر، فقلت: يا رسول الله!! إني كنتُ أردتُ الجهاد معك أبتغي بذلك وجه الله والدار الآخرة. قال: ويحك!! أحية أمك؟! قلت: نعم يا رسول الله. قال: فارجع إليها فبِرَّها، ثم أتيتُه من أمامه فقلت: يا رسول الله!! إني كنتُ أردتُ الجهاد معك أبتغي بذلك وجه الله والدار الآخرة. قال: ويحك أحية أمك؟! قلت: نعم يا رسول الله. قال: ويحك!! الزم رجلها فَثَمَّ الجنة ».

يا أنت.. تطلب الجنة بعملك وهي تحت قدم أمك، حملتك في بطنها تسعة أشهر كأنها تسع حجج، وكابدت عند الوضع ما يذيب المُهَجْ، وأرضعتك من ثديها لبنا، وأطارت لأجلك وسنا، وغسلت بيمينها عنك الأذى، وآثرتك على نفسها بالغذا، فإن أصابك مرض أو شكاية أظهرت من الأسف فوق النهاية، وأطالت الحزن والنحيب، وبذلت مالها للطبيب، ولو خُيِّرت بين حياتك وموتها لطلبت حياتك بأعلى صوتها، وكم عاملتها بسوء الخلق مرارا فدعت لك بالتوفيق سرا وجهارا، فلما احتاجت إليك عند الكبر جعلتها من أهون الأشياء عليك، وقدمت عليها زوجك وأولادك بالإحسان، وقابلت أفضالها بالنسيان، وصعب عليك أمرها وهو يسير، وطال عليك عمرها وهو قصير، فانتهِ وإلا فستُعاقَب في دنياك بعقوق البنين، وفي أخراك بالبعد عن رب العالمين.

كان من فقه ابن عباس أن أتاه رجل، فقال: أني خطبتُ امرأة فأبت أن تنكحني، وخطبها غيري فأحبَّت أن تنكحه، فغِرت عليها فقتلتها، فهل لي من توبة؟ قال: أمك حية؟ قال: لا. قال: تُبْ إلى الله وتقرب إليه ما استطعت، فقال رجل لابن عباس: لم سألته عن حياة أمه؟ قال: «إني لا أعلم عملا أقرب إلى الله عز وجل من بر الوالدة »

وقد قدَّم الحسن البصري بِرَّها على تعلم القرآن، مرسيا بذلك نموذجا لما استحدث العلماء تسميته باسم فقه الأولويات، وذلك لما أتاه هشام بن حسان قائلا: إني أتعلم القرآن، وإن أمي تنتظرني بالعشاء، قال الحسن: «تعشَّ العَشاء مع أمك تُقِرُّ به عينها، أحب إليَّ من حجة تحجها تطوعاً».

وقد قدَّم النبي ﷺ برها على بر الأب، وبذا التزم السلف وبه أخبروا، فهذا الحسن يقسِّم البر ثلاثة أقسام ثم يقول: «للوالدة الثلثان من البر، وللوالد الثلث».

وسئل في رجل حلف عليه أبوه بكذا، وحلفت عليه أمه بكذا أي بخلافه؟ فقال: «يطيع أمه».

وتابعه في مذهبه مكحول حين قال: «إذا دعتك والدتك وأنت في الصلاة فأجبها، وإن دعاك أبوك فلا تُجِبه حتى تفرغ ».

وكيف لا والجنة مقتربة من البار بأمه أدنى ما تكون منه، وهو ما رآه رسول الله واقعا أمام عينيه ثم حكاه لنا لكي يجتمع مع الوعد باللسان الإثبات بالواقع والمشاهدة والعيان، فقال ﷺ: «دخلتُ الجنة فسمعت فيها قراءة فقلت: من هذا؟ قالوا: حارثة بن النعمان، كذلكم البِرُّ، كذلكم البِرُّ»، وكان من أبر الناس بأمه.

ولذا ح

1K
[2:33:44 AM]خالد أبوشادي:

قَّ لإياس بن معاوية أن يبكي لموت أمه مبينا السبب عالما بقدر الكارثة:

«كان لي بابان مفتوحان من الجنة، فأُغلِق أحدهما».

3- البنات

عن جابر t قال: قال رسول الله ﷺ: «من كان له ثلاث بنات يؤويهن ويرحمهن ويكفلهن وجبت له الجنة ألبتة، قيل: يا رسول الله!! فإن كانتا اثنتين؟! قال: وإن كانتا اثنتين. قال: فرأى بعض القوم أن لو قال واحدة لقال واحدة.

لكن هل المقصود بالإيواء والرحمة والكفالة مجرد الإطعام والإشراب الذي تفعله كل الخلائق رحمة بصغارها حتى الدواب؟!

كلا والله.. بل مقصد الحديث إضافة إلى الكفالة المادية: الكفالة الإيمانية بالتقوى وتنشئة البنات على الدين والالتزام، وهو مشروع رائع لدخول الجنة لكنه صعب في ظل إعلام يريد لبناتنا أن يكنَّ جامعات فساد وقِبْلة شهوات، خاصة وهن يملكن بأيديهن مفاتيح إفساد الشباب وصرفهن عن الغايات السامية إلى الشهوات المُحرَّمة الوضيعة، فتكون تربية البنت الصالحة بمثابة تربية جيل بأكمله يقتدي بها من يراها من أخواتها، ويتعلم منها الشباب أصول الحياء وطهارة السلوك والعفاف الراقي، ويُبطَل بذلك كيد الكائدين ومؤامرات اليهود المتربصين.

4- الزوج

قال ﷺ لعمة حُصَيْن بن مُحْصِن t: «انظري أين أنت منه؟! فإنه جنتك ونارك».

أي أن زوجك هو سبب لدخولك الجنة برضاه عنك، وسبب لدخولك النار إن سخط عليك، فأحسني عشرته ولا تخالفي أمره.

بل رسَّخ النبي ﷺ مفهوم هضم النفس والتعالي على الانتصار لها وكبح محاولات كسب معركة الخلاف مع الزوج حين رغَّب كل زوجة في دخول الجنة بقوله: «ألا أخبركم بنسائكم من أهل الجنة؟ الودود الولود العؤود التي إذا ظُلِمت قالت: هذه يدي في يدك، لا أذوق غمضا حتى ترضى».

وهو أمر شاق على نفس كل امرأة لكن لا شي يا أختاه يصعب أمام الجنة، ولا عقبة تصمد أمام إغراء نعيمها.

وقد تقف مخالفة الزوجة زوجها وعصيان أمره عقبة في طريقها للجنة، وعندها يحق لكل كريم أن يُسلي نفسه بزوجات من الحور يعشقنه وينافحن عنه وهو لا زال بعدُ في دار الدنيا!! قال ﷺ:

«لا تؤذي امرأة زوجها في الدنيا إلا قالت زوجته من الحور العين: لا تؤذيه قاتلك الله!! فإنما هو عندك دخيل يوشك أن يفارقك إلينا».

سئل عمرو بن عبيد: ما البلاغة؟ فقال: «ما بلَّغك الجنة وعدل بك عن النار».

لسماع الملف الصوتى بالمؤثرات الصوتية:

لسماع الملف الصوتى بدون المؤثرات الصوتية: