حصار الجمعيات على حساب الفقراء

cr0fk5dwiaayu9u

بقلم ممدوح الولي
باستخدام نسبة الفقر المصرية الرسمية خلال العام الماضى البالغة 27.8%، يصل عدد الفقراء حاليا 25.4 مليون فرد، وهي نسبة لا تلقى قبولا من الخبراء، حيث تستند على خط فقر يبلغ 482 جنيه شهريا، وهو مبلغ يفترض الجهاز المركزى للإحصاء الحكومي، أنه يكفي احتياجات الفرد الضرورية، من الأكل والشرب والملابس وخدمات السكن والعلاج والمواصلات والتعليم، ومن خلال ارتفاع أسعار السلع والخدمات، من الصعب أن تفي تلك القيمة المالية المتدنية بتلك الإحتياجات المتعددة.
وبالنظر الى الأعداد التى تصل إليها المعاشات والمساعدات الحكومية، نجد عددهم يدور حول الستة ملايين شخص من بين أكثر من 25 مليون فقير، مما يعني اقتصار مساعدات الدولة على حوالى 25% من عدد الفقراء.
وهنا يبرز دور الجمعيات الأهلية فى سد تلك الفجوة الضخمة ، بتقديم المساعدات الدورية والطعام والكساء والعلاج لملايين الفقراء فى أنحاء البلاد، ورغم تخطى عدد الجمعيات الأربعين ألفا، إلا أن عدد الجمعيات النشطة منها يقل عن النصف.
وتتنوع مجالات نشاط تلك الجمعيات الأهلية ما بين : المساعدات الإجتماعية ورعاية الأمومة والطفولة ورعاية المعاقين، وإيواء الأيتام والمسنين ورعاية أسر المسجونين، وتنمية المجتمعات المحلية والتنمية الاقتصادية وتنمية الدخل ، وحماية المستهلك وحماية البيئة ، الى جانب الخدمات الثقافية.
وتتنوع الأنشطة أيضا ما بين تيسير زواج اليتيمات وتقديم الخدمات العلاجية، وتقديم القروض الدوارة والتدريب على الحرف، وانشاء دور المغتربات والحضانات وبناء المقابر، ومكاتب تحفيظ القرآن الكريم ورعاية طلاب العلم وانشاء المدارس ومحو الأمية الى غير ذلك من أنشطة.
وهكذا تحمي تلك الجمعيات ملايين الأسر الفقيرة جزئيا، حيث تتنوع أنشطتها على مدار العام، ففي موسم دخول المدارس تقدم الملابس المدرسية والأدوات المدرسية بل والمصروفات الدراسية، وفي عيد الأضحى تقدم اللحوم ، وفي المولد النبوي توزع الحلوى، وفي رمضان توزع الوجبات الجافة والمطبوخة وهكذا.
وفي ظل نظام ما بعد الثالث من يوليو 2013، شهدت الجمعيات تشددا غير مسبوق وصل لحد حل مجالس إدارة أكثر من ألف جمعية ، والتحفظ على أموالها وعلى منشآتها الطبية والتعليمية واتهامها بالتبعية للإخوان.
وجاء التضييق الأمنى ليمثل عاملا إضافيا، الى جانب ندرة التبرعات من قبل الموسرين ومتوسطى الحال، والتى تمثل مصدر التمويل الرئيسى لأنشطتها ، بسبب الركود الإقتصادى من ناحية وخشية الإتهام بتمويل الإرهاب من ناحية أخرى.
مما أدى لإنحسار أنشطة كثير من الجمعيات، ووصل الأمر الى حد الإغلاق لبعضها لعدم وفاء قيمة التبرعات حتى بمصروفات العاملين بها ، أو لسداد إيجار الأماكن التى تشغلها أو نفقات الكهرباء ومياه الشرب.
وأضر ذلك بالفقراء على المستوى المالي والغذائي، وزادت صعوبات امكانية استكمال كثير من الأطفال الأيتام الدراسة بالمدارس ، وتراجعت الخدمات الصحية المخفضة التي كانت تقدمها.
وبعد تطبيق برنامج الحكومة منذ مارس الماضي، والمستند على تنفيذ مطالب صندوق النقد الدولى ، والتى أدت للإضرار بالفقراء من حيث زيادة أسعار السلع، وتحول شكل دعم سلع البطاقات التموينية.
من كميات مقننة من السلع الأساسية من الزيت والسكر والأرز لكل فرد ، لمقننات نقدية بواقع 15 جنيها شهريا زادت مؤخرا الى 18 جنيه للفرد ، لشراء أية سلع حتى ولو كانت مناديل ورقية.
ورغم تصريحات مسؤلى صندوق النقد الدولى بوجوب امتداد الحماية للفقراء المصريين ، من آثار برنامج الحكومة الذى اتجه لخفض الدعم على الوقود والكهرباء وترشيد الأجور الحكومية ، وخفض قيمة الجنيه مقابل الدولار، وفرض ضريبة القيمة المضافة وزيادة تكلفة العديد من الخدمات الحكومية ، فقد اقتصرت التصريحات الحكومية، على زيادة عدد المستفيدين من معاشات التضامن الإجتماعى ومعاش تكافل وكرامه والإهتمام بالتغذية المدرسية.
ولم تتطرق التصريحات سواء من قبل مسؤلى الصندوق أومسؤولي الحكومة، الى مساعدة الجمعيات الأهلية على أداء دورها، واطلاق حرية العمل الأهلي، ويعزز مخاوف الحكومة وجود بعض جمعيات حقوق الإنسان ، التى تكشف أحيانا تجاوزات حكومية تخص عمليات القبض والقتل العشوائي، وكذلك خشية تأثير المنتمين للتيار الإسلامى بالجمعيات فى البسطاء، مما قد يترجم مستقبلا فى الحصول على أصواتهم بالإنتخابات.
لكن حاجة الحكومة لتهدئة مشاعر السخط الإجتماعي نتيجة ارتفاع الأسعار، قد تجبرها مستقبلا على التساهل الجزئي مع أنشطة بعض الجمعيات الكبيرة التي ترأسها قيادات موالية تماما للحكومة، الى جانب الجمعيات التى تتأكد من ولاء مجالس إدارتها للنظام ، لتخفيف حدة الإحتقان لدى الفقراء، حتى تمر فترة القرارات الصعبة التى يحتم اتفاقها مع صندوق النقد الدولى إتخادها للحصول على قرض منه، والتي تضر بالفقراء.