بعثة صندوق النقد… لا سهلا ولا مرحباً

بعثة صندوق النقد… لا سهلا ولا مرحباً
مصطفى عبد السلام
3 أكتوبر 2017
وكأن حال المواطن المصري يقول لبعثة صندوق النقد الدولي “لا أهلا ولا سهلا بكم”، فقد تسبب قرضكم وسياساتكم الاقتصادية وبرامجكم التقشفية في إفقارنا، وبات مجرد ذكركم يثير الاشمئزاز والقرف لدينا، فأنتم تمارسون سياسة النفاق والرياء.

في العلن وعلى صفحات الجرائد وفوق شاشات الفضائيات تطالبون الحكومة بحماية الطبقات الفقيرة والمهمشة ومحدودي الدخل وخفض الأسعار ومكافحة التضخم، وفي الغرف المغلقة تتفقون مع الحكومة على رفع أسعار كل شيء، بداية من ساندويتش الفول والمواد الغذائية، ونهاية بفواتير المياه والكهرباء والبنزين والغاز والسولار والصرف الصحي، ومروراً بأسعار السجائر والدخان والتليفون المحمول والاتصالات ورسوم الزواج والطلاق.

في نهاية الشهر الجاري تصل إلى القاهرة بعثة من صندوق النقد الدولي بهدف معلن من قبل الحكومة هو مراجعة ما تم في برنامج الإصلاح الاقتصادي والمالي المصري تمهيدا للإفراج عن الشريحة الثالثة من قرض الصندوق البالغة قيمتها ملياري دولار، أما الهدف غير المعلن فهو التأكد من تطبيق الحكومة التعهدات التي قطعتها على نفسها بزيادة الأسعار وخفض الدعم والاتفاق على التعهدات الجديدة.

وفي كل مرة تاتي البعثة للقاهرة يضع المصريون أيديهم على قلوبهم خوفا من القرارات التقشفية العنيفة التي يتم الاتفاق عليها داخل الغرف المغلقة وتمس بالدرجة الأولى الطبقات الفقيرة وما تبقى من الطبقة المتوسطة، أما الأغنياء فإن نصيحة الصندوق للحكومة دوما هي “الطبطبة” عليهم ومنحهم مزيداً من التيسيرات، من تسهيل بيئة الاسثمار، وحل المشاكل التي تواجههم سواء تعلقت بسوق الصرف وتدبير الدولار وتحويل الأموال للخارج أو الحصول على أراض بالمجان ووقود بسعر رخيص.

وفي كل مرة تزور فيها بعثة صندوق النقد الدولي القاهرة تقدم لها الحكومة المصرية “عربون محبة” عبارة عن زيادات ملحوظة في الأسعار وخفض للدعم المقدم للسلع والخدمات الضرورية للمواطن مثل الوقود والكهرباء والمياه وغيرها مع زيادات في الضرائب والرسوم الحكومية والجمارك.

ويبدو أن عربون هذه المرة ستكون جرعته ثقيلة بعض الشيء، وقد لا تقل حدته عن العربون الذي تم تقديمه لبعثة الصندوق التي زارت البلاد في شهر مايو الماضي وأعقب الزيارة زيادات عنيفة في أسعار الوقود والكهرباء والمياه وضريبة القيمة المضافة

من أبرز ملامح عربون هذه الزيارة التي ستتم نهاية الشهر الجاري:

الأول:
إعلان وزارة المالية اليوم عن العودة للتوسع في الاقتراض الخارجي، حيث أعلن وزير المالية عمرو الجارحي عن اقتراض أكثر من 5 مليارات في الربع الأول من عام 2018، موزعة ما بين سندات دولارية تتراوح قيمتها بين 3 و4 مليارات دولار وسندات بالعملة الأوروبية تتراوح ما بين مليار و1.5 مليار يورو، وهذه القروض الجديدة سيتم الحصول عليها خلال شهري يناير وفبراير القادمين وتأتي في اطار خطة لاقتراض 10 مليارات دولار خلال النصف الأول من العام القادم 2018

الثاني:
زيادة الايرادات الضريبية، وهو ما يعني فرض ضرائب ورسوم جديدة على المصريين بهدف جمع نحو 603.9 مليارات جنيه مقابل 433.3 مليار جنيه في موازنة العام المالي الماضي، أي أن قيمة الضرائب الزائدة التي سيتم جمعها خلال العام المالي الحالي 170.168 مليار جنيه وبنسبة زيادة 39.4%.

وهنا سيتم زيادة ضريبة السجائر والدخان بنحو 7 مليارات جنيه، حيث تستهدف الحكومة تحصيل إيرادات ضريبية من السجائر والتبغ بنحو 54.545 مليار جنيه، كما ستتم زيادة الضريبة العقارية وتوسيع دائرة الخاضعين لها، وهنا يتم حاليا بحث فرض ضرائب على الوحدات السكنية الشاغرة.

الثالث:
اجراء زيادات جديدة في أسعار مكالمات الهواتف المحمولة والسيارات، خاصة في حالة ارتفاع سعر الدولار مجدداً أمام الجنيه، ولن تكتفي الحكومة بالزيادة الأخيرة في أسعار بطاقات الشحن، المدفوعة مقدماً، والبالغة نسبتها 36%

الرابع:
إجراء زيادة جديدة في أسعار الوقود، وقد تتأجل هذه الخطوة أسابيع لما بعد الانتخابات الرئاسية.

الخامس :
زيادة سعر تذكرة المترو والمواصلات العامة وهو ما أكد عليه وزير النقل والمواصلات، هشام فرحات اليوم حيث قال إن الوزارة تدرس تطبيق زيادة أخرى في أسعار تذاكر المترو خلال العام المقبل أو بعد المقبل، خاصة مع انتهاء عملية التطوير”.

لكن هل كل هذه الزيادات في الأسعار والضرائب سترضي الصندوق، وبالتالي يفرج عن الشريحة الثالثة، أم يطالب بإجراءات تقشفية أكثر عنفا كما حدث في مايو الماضي؟

لننتظر… لنرى.