الموقف التركي الحازم في الأزمة الخليجية وتبلور المحور الثالث الجديد في العالم العربي والإسلامي

الموقف التركي الحازم في الأزمة الخليجية وتبلور المحور الثالث الجديد في العالم العربي والإسلامي

يعتبر موقف تركيا المساند لقطر موقفا متوقعا إلى حد بعيد نظرا لتشابه المواقف والأهداف بين الدولتين، إلا أن بعض الحسابات الواقعية كان يمكن لها أن تمنع تركيا من أن تلقي بثقلها بشكل كامل لدعم النظام الحاكم في قطر ومساندته عسكريا مما يصعّد المواجهة بين الأتراك ودول الحصار.

وعلى الرغم من الأخطار المتوقعة بالنسبة لتركيا عند وقوفها في وجه دول الخليج إلا أن معرفة تركيا أن الأمر سيتكرر معها في حالة النجاح في عزل قطر واسقاطها تسبب في تنحية كافة الحسابات الأخرى جانبا ودفع تركيا للمخاطرة بالوقوف بشكل كامل لدعم قطر، كما كان من أسباب ذلك الالتزام الأدبي من النظام التركي تجاه قطر التي ساندته في مواجهة المحاولة الانقلابية الفاشلة.

وعلى الجانب الآخر، ثمة عدة أسباب دفعت قطر للاستعانة بتركيا دون غيرها على الرغم من الموقف التركي غير الواضح في بداية الأزمة مقارنة بالموقف الإيراني الذي أعلن مساندته بشدة لقطر، ولعل من أسباب ذلك أن استعانة قطر بإيران كانت ستتسبب في المزيد من الإحراج لقطر والمزيد من التشدد في مواجهتها سواء على الصعيد الشعبي الخليجي، أو فيما يتعلق بموقف الولايات المتحدة التي كانت سترفض بشدة ارتماء قطر في أحضان إيران وهو ما كان سيمثّل تحديا للولايات المتحدة، أما بالنسبة للتحالف مع تركيا التي تعتبر قوة سنيّة لها احترامها في العالم العربي ولها علاقاتها الجيدة مع الولايات المتحدة فإن ذلك يقوّي من الموقف القطري شعبيّا ودوليّا، ولعل من نتائج ذلك أن تراجعت الولايات المتحدة عن دعم دول الحصار بالكامل وتقوية التيار الأمريكي الذي يؤيد استمرار قطر ويؤمن بأهميتها بالنسبة للولايات المتحدة.

الموقف التركي يضبط الإيقاع الأمريكي

جاء الاتصال الهاتفي الذي تم بين الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” والرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” وزيارة وزير الدفاع القطري إلي تركيا قبل انتهاء المهلة الخليجية لتؤكد علي الدور التركي الحاسم في الملف وقدرته علي احتواء الأزمة.

يمكن القول أن هذا الاتصال كان بمثابة نقطة تحول في الموقف الأمريكي –وخاصة من ترامب- تجاه الأزمة الخليجية، وربما هذا تفاعل مع التدخل التركي على خط الأزمة ودعمها لقطر، وخاصة بعدما قام “أردوغان” باستقبال وزير الدفاع القطري قبل أيام وظهور الحديث عن أنه يمكن إرسال قوات تركية أكبر لقطر، ما يعني تهديد التواجد الأمريكي العسكري في قطر، وزيادة الاحتقان في الأزمة وتصعيدها إذا ما اُستخدمت القوة.

ولا شك أن التدخل التركي يفسر جزئياً علي الأقل حالة التخبط في التصريحات الأمريكية حول الأزمة، فسياسة ترامب وبرنامج عمله في السياسة الخارجية بعد قمة الرياض كان الضغط علي قطر واجبارها علي الاستجابة للمطالب العربية، ولذلك أعلن تأييده الصريح لما حدث مع قطر، ثم مع تصاعد الأزمة وتدخل تركيا ودول أوربية في الأزمة تخرج الخارجية الأمريكية وتبحث عن سبيل للمهادنة، ثم يعود ترامب عن موقفه ويبدأ هو الآخر في الظهور بمظهر الساعي لحل الأزمة وعدم تطورها، هذا يعني أنه حتى لو كانت هناك تباينات في التصريحات داخل الإدارة الأمريكية، لكن ما يحدث على أرض الواقع ويتم تنفيذه هو ما يجب الأخذ به.

دخول تركيا في الأزمة تسبب في تخبط الموقف الأمريكي، لأنه كان من المعتقد أن سياسة ترامب المعلنة ضد قطر هي التي ستسير الموقف، لكن مع تعقيد المشهد تدخلت وزارة الخارجية الأمريكية وبدأت في سلوك أسلوب مهادنة ومحاولة للتوصل لحل للأزمة بما لا يهدد المصالح الأمريكية بالمنطقة، لأن قطر في هذه الحالة لم تعد هدفاً ضعيفا كما تخيل ترامب وحلفائه من العرب بل صارتضمن حلف يجعلها خصما أقوى ليس من السهل الضغط عليها في وجوده، ربما كان يسهل الضغط عليها إذا ظلت وحيدة، مما يؤدي لاستجابتها لشروط حل الأزمة.

دخول تركيا في الأزمة أعاد للأذهان مشهد التحالفات التي كانت موجودة في المنطقة من ذي قبل، محور الاعتدال ومحور الممانعة، لكن الفكرة هنا هي أن المحورين (تركيا- قطر) و(السعودية- الإمارات- مصر- البحرين)، على علاقة جيدة بالولايات المتحدة، إذن فما يمكن أن تفعله الولايات المتحدة في هذا الخصوص؟، الأمر يرتبط بمدى سهولة قيام أحد المحورين بتنفيذ وتيسير المصلحة الأمريكية بالمنطقة، فعلى سبيل المثال تحاول الإمارات الظهور بمظهر من يريد الحفاظ على استقرار المنطقة، وفي نفس الوقت تؤيد الولايات المتحدة هذا الاستقرار لأنه يخدم مصلحتها. فمن مصلحة الولايات المتحدة في الوقت الراهن أن تكون هي الطرف الذي يلجأ له دول المنطقة لحل الأزمات التي تنشب بينها، وفي نفس الوقت تريد أن تستثمر تلك النزاعات بحدوث سباق تسلح بما ينعش شركات الأسلحة الأمريكية والاقتصاد الأمريكي، لكن على ألا يتطور إلى نشوب حرب، على الأقل في الوقت الراهن، وهذا ربما يفسر الاتصال الذي تم بين ترامب وأردوغان حول الازمة، ثم بين ترامب وأمير قطر، لأنه يخشى من أن تتطور إلى مواجهة عسكرية.

إن التصعيد في الأزمة للوصول إلي حد إمكانية استخدام القوة قد يضر بالدول التي تريد الولايات المتحدة استقرارها بالمنطقة أو حلفائها، ولهذا يهمها –وفقا للحظة الحالية- أن تتوافق تلك الدول على معظم القضايا من ناحية، وتقبل الشعوب لهذا التوافق وتهدئة الأوضاع الداخلية حتى لا يحدث انفجار ضد أي وضع داخلي يتسبب في تعطل عامل الاستقرار.

 

إعادة تشكل المحاور في المنطقة:

يبدو للوهلة الأولى أن المنطقة يعاد تشكيلها بما يعيدها للوضع ما قبل الربيع العربي حيث كان هناك محورين متصارعين هما محور الاعتدال المكون من دول الخليج ومصر ومحور الممانعة المكون من إيران وحلفاءها والمقاومة الفلسطينة، إلا أن النظرة المتعمقة تثبت لنا دخول عوامل جديدة على هذه المحاور سواء فيما يتعلق بأطرافها أو بأهدافها وأوجه الخلاف بينها. تدفع لوجود ثلاثة محاور إقليمية علي الأقل، بإضافة محور قطر- تركيا- الإخوان إلي المحاور القائمة.

فعلى صعيد الأطراف ثمة أطراف جديدة دخلت على الساحة بقوة هما قطر وتركيا وحلفائهما من الإخوان المسلمين في البلدان المختلفة، وهذه القوى لايمكن إعتبارها ضمن أي من المحورين المعتدل أو الممانع، حيث تحتفظ هذه القوى بعلاقاتها المركبة من تعاو ن وصراع مع الغرب ومع المقاومة في فلسطين ولاتتبني الخطاب الدعائي الذي يرفع شعار الموت لأمريكا بينما يتحالف مع قوي دولية عدوانية أخري مثل روسيا, ويمكننا القول أن المحور القطري التركي هو محاور ممانعة أو مقاومة ولكن ضد الأنظمة العربية الفاسدة وإسرائيل بشكل رئيسي حيث يتبنى هذا المحور بشكل مضمر فلسفة العدو القريب وطريق النهضة بالتزامن مع مواجهة القوي الاستعمارية أو تأجيل المواجهة معها لحين تطوير الأوضاع الداخلية. ويتبني أعضاء المحور القطري التركي نهج المقاومة السياسية في إطار القواعد الدولية والمحلية القائمة دون الخروج المسلح والمواجهة العسكرية الشاملة.