العملية العسكرية في سيناء.. الأبعاد والمآلات بين الأهداف المعلنة والخفية

 

تختلف الحملة العسكرية التي أطلقها جنرال الانقلاب عبد الفتاح السيسي، أمس الجمعة 9 فبراير 2018م، تحت مسمى «العملية الشاملة»، عن الحملات السابقة التي استهدف من خلالها الحرب على ما يسمى بالتنظيمات الإرهابية في سيناء، مثل تنظيم داعش وولاية سيناء، تختلف في شمولها وتوسعها كما تختلف في سياقها وأهدافها، وبالطبع في تداعياتها ومآلاتها.

فالعملية العسكرية الجديدة تأتي في سياق محلي وإقليمي ملتهب، ولا يمكن الفصل بين السياقين، كما لا تخفى دلالة التوقيت الذي دفع الجنرال السيسي إلى القيام بهذه الحملة قبل مسرحية انتخابات الرئاسة بشهر واحد، في ظل اتهامات لنظام الجنرال السيسي بالعمل على تهجير أهالي سيناء كجزء من صفقة القرن التي تمنح شمال سيناء للفلسطينيين لتكون وطنا بديلا مع منح القدس للصهاينة، وهو الثمن الذي يتوجب على السيسي دفعه حتى يحصل على قدر من الدعم والامتيازات وحتى يبقى رئيسا لفترة ثانية.

كما تتزامن مع مناورات موسعة تقوم بها قوات الاحتلال الإسرائيلي بالقرب من الحدود مع غزة، ما دفع حركة حماس إلى إعلان حالة الطوارئ القصوى، وتفريغ مقار تدريب كتائب القسام باعتبارها الهدف الأبرز لأي عدوان إسرائيلي مرتقب.

«العملية الشاملة» والأهداف المعلنة

وأعلن المتحدث العسكري العقيد تامر الرفاعي، صباح الجمعة، عن بدء خطة مجابهة شاملة ضد ما وصفها بالعناصر الإرهابية في عدة مناطق بينها شمال ووسط سيناء.

وقال المتحدث باسم الجيش، تامر الرفاعي، في بيان له: “رفعت القوات المسلحة والشرطة حالة التأهب القصوى لتنفيذ عملية شاملة على الاتجاهات الاستراتيجية فى إطار مهمة القضاء على العناصر الإرهابية”.

وفي بيان آخر قال: “بدأت- صباح اليوم بتكليف رئاسي- “قوات إنفاذ القانون” تنفيذ خطة المجابهة الشاملة بشمال ووسط سيناء ومناطق أخرى بدلتا مصر والظهير الصحراوي غرب وادي النيل، إلى جانب تنفيذ مهام عملية وتدرييبة أخرى على كافة الاتجاهات الاستراتيجية”.

وأوضح المتحدث باسم الجيش، أن خطة المجابهة الشاملة لها 4 أهداف هي: “إحكام السيطرة على المنافذ الخارجية، وضمان تحقيق الأهداف لتطهير المناطق من البؤر الإرهابية، وتحصين المجتمع المصري من شرور الإرهاب والتطرف، بالتوازي مع مواجهة الجرائم الأخرى ذات التأثير”.

ولا شك أن الفقرة الأخيرة من البيان الثاني جاءت فضفاضة لتفتح أبوابًا واسعة وذرائع لممارسات قمعية وانتهاكات كبيرة تحت لافتة “مواجهة الجرائم الأخرى ذات التأثير”!.

صفقة القرن وتهجير أهالي سيناء

لكنَّ محللين وخبراء في الاستراتيجية يؤكدون أن حملات السيسي العسكرية، وخصوصا الحملة الأخيرة “العملية الشاملة”، تستهدف بالأساس قيام السيسي يما يتوجب عليه في إطار «صفقة القرن» التي يرعاها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وذلك بوضع أهالي شمال سيناء باستمرار تحت قصف النيران، سواء من الجيش أو الصهاينة أو المسلحين، بهدف دفعهم نحو الهجرة والتخلي عن بيوتهم؛ تمهيدًا لإبرام «صفقة القرن» ومنح شمال سيناء للفلسطينيين لتكون امتدادًا لغزة، مع منح القدس للصهاينة وفق صفقة القرن الأمريكية، التي بدأت باعتراف الإدارة الأمريكية المنتمية لليمين المتطرف بالقدس عاصمة للصهاينة.

فالبدء بإخلاء سيناء تمهيدا لتنفيذ “صفقة القرن”، هو أحد أهم أهداف الحملة، خاصة بعدما أعلن المبعوث الأمريكي للسلام جرين بلات، الأسبوع الماضي، أن الصفقة أصبحت “وشيكة التنفيذ”، فالسيسي بدأ في تنفيذ الجزء الخاص به؛ لأن “الصفقة” تعتبر المسوغ الرئيس لدعم أمريكا وإسرائيل لبقائه على عرش مصر”.

ويعزز هذا الرأي ما وثقته منظمة سيناء لحقوق الإنسان، حيث أفادت بأن ما لا يقل عن 30 مدنيًا بينهم 7 أطفال و3 نساء قتلوا، وأصيب نحو 28، جراء انتهاكات واعتداءات نفذتها قوات الجيش والشرطة في أبريل الماضي فقط 2017م، في حين قتل إجمالا خلال النصف الأول من عام 2017 نحو 203 مدنيين، وأصيب 195، ووقع ما لا يقل عن 435 انتهاكا.

إذا السيسي بهذه الإجراءات يدفع أهالي سيناء دفعا نحو الهجرة وترك بيوتهم، وهو ما تأكد من خلال تسريبات صحيفة نيويورك تايمز وبثتها قناة “مكملين” للضابط أشرف الخولي، الذي كان يعطي التوجيهات لأحد المذيعين، لافتا إلى أن وجود أهالي سيناء يمثل عقبة، وهي التسريبات التي فضحت توجهات نظام السيسي نحو تهجير أهالي سيناء وتفريغ شمالها لإبرام صفقة القرن الأمريكية.

التمهيد لحرب على غزة

كما تستهدف الحملة بالأساس فرض مزيد من الحصار على قطاع غزة، خصوصا بعد عمليات التهجير التي تمت لأهالي رفح والشيخ زويد وتوسيع المنطقة العازلة مع غزة، والتي بدأت بعمق “500” متر بطول 14 كم هي مسافة الحدود المصرية مع غزة.

وهي الإجراءات التي تأتي بعد تدمير معظم الأنفاق من جانب المؤسسة العسكرية المصرية، والتي كانت تمثل الرئة التي يتنفس منها أهالي غزة عبر تهريب كثير من المواد والأغذية والوقود، وهو ما يمثل مزيدًا من الحصار والتضييق على غزة، ودعمًا لحرب إسرائيلية وشيكة على القطاع للقضاء على سيطرة حماس وإضعاف نفوذها بالقطاع.

يتزامن مع ذلك قيام “إسرائيل” بعمل مناورات موسعة على الحدود مع قطاع غزة، الأمر الذي دفع حركة حماس إلى إعلان حالة الطوارئ القصوى، وإخلاء مقار كتائب القسام والمقار التدريبة.

ويمكن في هذا السياق الإقليمي أن نفهم الأهداف الخفية لإجراءات السيسي مع قطاع غزة منذ سنوات، حيث يستهدف إضعاف حركة حماس والقضاء على سيطرتها على القطاع من خلال هدم الأنفاق وتنفيذ شريط حدودي عازل مع القطاع. وفي الوقت ذاته قللت “إسرائيل” من حجم شاحنات الغذاء التي كانت تدخل يوميا إلى القطاع من 1200 إلى 300 شاحنة، ما دفع المزيد من الغزاويين للتظاهر على بوابات المعابر.

وللحملة مآرب أخرى

ولا تتوقف الأهداف الخفية للحملة الشاملة للسيسي على سيناء وباقي المحافظات المصرية، خصوصًا في الدلتا والظهير الصحراوي، بل يمكن اعتبارها قفزة فوق الأزمات المتفاقمة، ومحاولة للهروب منها وإلهاء الشعب بشيء مختلف، ووضعه في إطار الحرب لا سيما بعد فشل السيسي في حماية حقوق مصر المائية وعجزه أمام إثيوبيا، حتى اعترف في تصريحات بلهاء، أنه لا توجد أزمة مع إثيوبيا من الأساس. إضافة إلى فشل مشروع تفريعة قناة السويس والمشروعات القومية، وعدم انعكاس ذلك على الشعب الذي يعاني من أزمات طاحنة.

ويمكن اعتبار الحملة كذلك تستهدف استنزاف الجيش خوفا من وجود انقلاب عليه، لا سيما بعد إهانة قيادات كبرى سابقة بالمؤسسة، مثل الفريق سامي عنان رئيس الأركان السابق والمعتقل حاليا بالسجن الحربي، والفريق أحمد شفيق رئيس الوزراء الأسبق وأحد جنرالات سلاح الطيران.

كما يحاول السيسي من خلال هذه الحملة، الزعم بأنه يسيطر على سيناء وليس تنظيم داعش أو ولاية سيناء، كما تأتي ردا على تقارير نيويورك تايمز وواشنطن بوست مؤخرا التي فضحت تنفيذ الطيران الإسرائيلي لمئات الطلعات على أهداف في سيناء. فالسيسي بهذه الحملة يريد أن يحقق عدة عصافير بحملة واحدة حتى يبقى رئيسا بدعم أمريكي إسرائيلي، حتى لو كان الشعب يغلي من الغضب!.

 

رابط دائم