بقلم : مازن الفريح
* الصبر لغة:

* “الصبر: حبس النفس عند الجزع”([1]).

* وقال في المعجم الوجيز: “الصبر: التجلُّدُ وحسن الاحتمال عنه. وصَبّرَهُ: دعاه إلى الصَّبْرِ وحبَّبَهُ إليه. وتصبّر: حمل نفسه على الصبر. والصّبار: الشديد الصبر”([2]).

* الصبر اصطلاحاً:

* قال الراغب الأصفهاني رحمه الله: “الصَّبْرُ: حَبْسُ النفس على ما يقتضيه العقل والشرع، أو عما يقتضيان حَبْسَهما عنه”([3]).

* وقال ذو النون المصري رحمه الله: “الصبر التباعد من المخالفات، والسكون عند تجرع غصص البلية، وإظهار الغنى مع حلول الفقر بساحات المعيشة”([4]).

* أما عبدالله ناصح علوان فيعرّفها فيقول: “الصبر قوة نفسية إيجابية فعالة.. تدفع المتحلي به إلى مقاومة كل أسباب الخَوَرِ والضعف والاستكانة والاستسلام.. وتحمله على الصمود والثبات أمام الفتن والمغريات، وأمام المحن والمكاره والأحداث إلى أن يأذن الله له بالنصر، أو يلقى الله عز وجل وهو عنه راضٍ”.

* أهمية الصبر في شخصية المسلم:

1- الصبر نور يستنير به الداعية في حوالك الأزمات، ومدلهم الكربات، يعصمه من التخبط مهما ترادفت الضوائق، ويحفظه من القنوط واليأس مهما كثرت العوائق؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: “والصبر ضياء”([5])، ضياء يشع في النفس فلا تضجر عند وقوع المكاره، ولا تيأس عند تأخر النتائج، ولا تركن عندما تستثقل الأعباء، ولا تجزع عند وقوع البلاء.

2- الصبر إيمان يربط القلب بخالقه، فلا يدعه يتقلب ويتذبذب؛ سواءً أحاطت به سراء، أو نزلت به ضراء.. فلا السراء تطغيه، ولا الضراء تجزعه وتطيش به فترديه، قال صلى الله عليه وسلم: “عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كلًّهُ خيرٌ، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن؛ إن أصابتهُ سراء شكر، فكان خيراً له، وإن أصابتهُ ضراء صبر، فكان خيراً له”([6]).

3- أمر الله عز وجل به أنبياءه ورسله، وامتدحهم بالاتصاف به، كقوله تعالى في عبده ورسوله أيوب عليه السلام: {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} (ص: 44)، وقد أمر الله عز وجل رسولنا صلى الله عليه وسلم بالصبر في قرابة عشرين موضعاً في كتاب الله كقوله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} (الأحقاف: 35)، وهذا يدل على أهميته في حياة المسلم.

قال ابن القيم([7]) رحمه الله: “سمعت شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه يقول: “بالصبر واليقين تُنال الإمامة في الدين”، ثم تلا قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} (السجدة: 24).

4- الصبر على التكاليف مهما ثقلت، والمسؤوليات مهما عظمت، والواجبات مهما كثرت سُنَّة من سنن الأنبياء، وخصلة من خصال الربانيين الأتقياء الذين يبذلون ويجاهدون، وعلى ما أصابهم يصبرون، وبدعاء ربهم يلهجون: {ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} (آل عمران: 147)، ويقولون: {رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ} (الأعراف: 126).

5- الصبر مطية للارتقاء بالنفس نحو كمالها، ومعالجة آفاتها وأمراضها، فلن يصل المرء إلى المجد الذي يأمله، والنجاح الذي ينشده إلا بالصبر.

* فضل الصبر والصابرين:

مما يبين فضل الصبر كثرة ذكره في القرآن الكريم والإشادة به، قال الإمام أحمد رحمه الله: “الصبر في القرآن في نحو تسعين موضعاً”. ومن ذلك:

1- الثناء على أهله، كقوله تعالى: {الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ} (آل عمران: 17)، وقوله: {وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَـئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} (البقرة: 177)، وهو كثير في القرآن.

2- إيجاب الجزاء لهم بأحسن أعمالهم كقوله تعالى: {وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} (النحل: 96).

3- إطلاق البشرى لأهل الصبر كقوله تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} (البقرة: 155).

4- ضمان النصر والمدد لهم كقوله تعالى: {بَلَى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَـذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُسَوِّمِينَ} (آل عمران: 125)، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: “واعلم أن النصر مع الصبر”([8]).

5- الإخبار بأن الفوز المطلوب المحبوب، والنجاة من المكروه المرهوب، ودخول الجنة إنما نالوه بالصبر، كقوله تعالى: {وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ {23} سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} (الرعد: 23-24).

6- حمايتهم من كيد الأعداء ومخططاتهم:

{إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} (آل عمران: 120).

* هل يجب التحلي بالصبر؟

لا بد أن نعرف أن القرآن الكريم قد دعا إلى التزام الصبر بأساليب عدة، منها:

– الأمر به: كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ} (آل عمران: 200).

– النهي عن ضده: كقوله تعالى: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ} (الأحقاف: 35)، فالعجلة ضد الصبر.

– رتب عليه خيري الدنيا والآخرة من الفوز بالجنة والنجاة من النار، وما كان كذلك، كان الالتزام به متعيناً.

– ولهذا ذهب الإمام ابن القيم إلى وجوبه فقال: “وهو واجب بإجماع الأمة”([9])، وقال ابن حزم رحمه الله: “الصبر واجب، والبكاء مباح، ما لم يكن نَوْحٌ، فإن النَّوح حرام”([10])، يعني عند فقد عزيز وموت حبيب.

– ومن العلماء من ذهب إلى التفصيل، فحكم الصبر عندهم بحسب الأمر المصبور عليه أو المصبور عنه، قال الإمام الغزالي رحمه الله: “واعلم أن الصبر أيضاً ينقسم باعتبار حكمه إلى فرض ومستحب ومكروه ومحرم، فالصبر عن المحظورات فرض، والصبر على المكاره مستحب (كالصبر على برودة الماء حال وضوئه لصلاة نفل)، والصبر على الأذى المحظور محظور (محرم)، كمن يقصد حريمه بشهوة محظورة فتهيج غيرته فيصبر عن إظهار الغيرة ويسكت على ما يجري على أهله، فهذا الصبر محرم”([11]).

* مجالات الصبر:

لما كان الصبرُ صفةً أساسية من صفات الشخصية الإسلامية، كان له أثر كبير وشأن عظيم في مجالات كثيرة في حياة المسلم يحدد مواقفه وأفعاله وينظّم سلوكياته وتصرفاته، وقبل أن نذكر بعض هذه المجالات، لا بد ان نشير إلى أن مجملها يرجع إلى ثلاثة مجالات أو أنواع:

أ- الصبر عن المخالفات:

سواء كانت محرمات أو مكروهات. ويتضمن ذلك البعد عنها، وسد الذرائع التي تقود إليها.

ب- الصبر على الطاعات:

سواء كانت فرائض أو واجبات أو مستحبات, ويتضمن ذلك:

– دوام المحافظة عليها (الثبات عليها).

– رعايتها بالمتابعة والإخلاص.

جـ- الصبر على المكروهات (الابتلاءات).

وذلك بالصبر على الأقدار والتسليم لله عز وجل والرضا بحكمه وقضائه.

* وهذه جملة من مجالات الصبر نلخصها بالتالي:

1- الصبر على بلاء الدنيا:

فهناك الصبر على بلاء الدنيا، ونكبات الأيام. وهذا ما لا يخلو منه بَرٌّ ولا فاجر، ولا مؤمن ولا كافر، ولا سيد ولا مسود؛ لأنه راجع إلى طبيعة الحياة، وطبيعة الإنسان، وما رأينا أحداً يسلم من آلام النفس، وأسقام البدن، وفقدان الأحبة، وخسران المال، وإيذاء الناس، ومتاعب العيش، ومفاجآت الدهر.

وهذا ما أقسم الله على وقوعه حين قال: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ {155} الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ {156} أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} (البقرة: 155-157).

وهذا ما أوصى به رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك المرأة التي جاءت إليه ليدعو لها أن يشفيها الله من مرض الصرع الذي يعاودها فيصرعها وتتكشف ثيابها. فعن عطاء بن أبي رباح قال: وقال لي ابن عباس رضي الله عنهما: ألا أُريك امرأة من أهل الجنة؟ فقلت: بلى. قال: هذه المرأة السوداء أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إني أُصرع وإني أتكشَّف، فادعُ الله تعالى لي. قال صلى الله عليه وسلم: “إن شئت صبرت ولك الجنة، وإن شئت دعوت الله تعالى أن يعافيك”، فقالت: أصبر. فقالت: إني أتكشف، فادع الله ألا أتكشف، فدعا لها([12]).

2- الصبر عن مشتهيات النفس:

الصبر عما تشتهيه النفس، ويميل إليه الطبع، من متاع الدنيا وزينتها وشهواتها، التي يسوق إليها الهوى، ويزينها الشيطان.

3- الصبر على طاعة الله:

فالعبد محتاج إلى الصبر للقيام بواجب العبودية، وقد قال الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم: {رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً} (مريم: 65)، وصيغة (اصطبر) تدل على المبالغة في حمل النفس على الصبر؛ لأن الطريق إلى طاعة الله مليئة بالمعوقات من داخل النفس وخارجها.

4- الصبر على مشاق الدعوة إلى الله:

وهو صبر الداعية على مسؤوليات الدعوة وواجباتها، وآلامها ومتاعبها، ومشاقها وتضحياتها. ولقد أدرك لقمان الحكيم أهمية الصبر في الدعوة إلى الله، وحاجة الداعية إليه وضرورته له فقال عقب وصيته لابنه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} (لقمان: 17).

5- الصبر حين البأس:

ومجال آخر يذكره القرآن للصبر هو الصبر حين البأس، أي: الصبر في الحرب عند لقاء الأعداء؛ حيث يصبح الفرار كبيرة موبقة، ويصبح الثبات فريضة لازمة. فالصبر هنا شرط أساسي للنصر، وعنصر ضروري للغلبة على العدو، وقديماً قالوا: “الشجاعة صبر ساعة”. ومن هنا أثنى القرآن على الصابرين في آية البر، فقال: {وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَـئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا} (البقرة: 177)، والبأساء: أي الفقر، والضراء: أي المرض، وحين البأس: أي الحرب.

6- الصبر على مخالطة الناس بالحسنى:

وهو حمل النفس على معاشرة الناس بأخلاق الإسلام والصبر على أذاهم والعلاقات التي تربط المرء بالناس متفاوتة.

7- الصبر على طلب العلم:

ونعلم ما لقي موسى كليم الله عليه السلام من المشاق في رحلته لطلب العلم حتى قال ما ورد في قوله تعالى: {لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَذَا نَصَباً} (الكهف: 62)، وقد جَهَد السلف أنفسهم، وتكبدوا المصاعب، وعانوا كثيراً من الضوائق في سبيل طلب العلم وتحصيله وبثه بين الناس.

* من آثار الصبر في الشخصية المسلمة:

تظهر في شخصية المسلم الصابر آثار تميزه عن غيره في أقواله وأفعاله وسلوكه ومواقفه، وهي تتفاوت في قوة بروزها وجلاء صورتها بحسب ما لديه من صبر ومصابرة، ومن تلك الآثار التي تكشف عن صبره:

1- الرفق:

وهو خلق من أخلاق الصابرين ينشأ عن حبس النفس عن العنف والقسوة في غير موضعها ولا يستطيعه إلا الصابرون. وقد رغَّب فيه الإسلام وحث عليه ودعا إليه، وجعل من قلَّ حظه منه من المحرومين من خير كثير، فقال صلى الله عليه وسلم: “من يحرم الرفق يحرم الخير كله”([13]).

2- الحلم:

الحلم هو الأناة، والتثبت في الأمر، وما يلزم عن ذلك من ضبط للنفس عن الغضب، وكظم للغيظ، وعفو عن السيئة. وكلها شديدة على النفس، تحتاج إلى صبر ليتصرف المرء وفق مقتضى الحكمة.

3- الدأب والمثابرة([14]):

فالصابر إذا بدأ عملاً دأب فيه وثابر عليه حتى يصل إلى مبتغاه، يجهد نفسه في إكماله ويحملها على تحسينه، فلا يَقْعُدُ به مللٌ ولا يصرفه عنه كسل.

* كيف نعين أنفسنا على الصبر؟

1- المعرفة بطبيعة الحياة الدنيا([15]):

أقرب ما يعين الإنسان على الصبر وخاصة على النوائب والشدائد أن يعرف حقيقة الدنيا التي يعيش فيها؛ فهي ليست جنة نعيم، ولا دار خلود، إنما هي ابتلاء وتكليف، خُلق الإنسان فيها ليُصقل ويُبتلى ليُعَدَّ لحياة الخلود في الدار الباقية. ومن عرف الحياة على هذا النحو لم يفاجأ بكوارثها؛ لأن ذلك من طبيعتها.

* قيل لعلي رضي الله عنه: صف لنا الدنيا: فقال: “ماذا أصف لك من دار أولها بكاء، وأوسطها عناء، وآخرها فناء!”.

* وقد قيل في وصف الدنيا:

جُبلت على كَدَرٍ وأنت تُريدُها صفواً من الآلام والأكدارِ

ومكلّفُ اأيام ضد طباعها متطلبٍّ في الماءِ جذوةَ نارِ

2- التأسي بأهل المصائب:

إن مما يعين كثيراً على الصبر، لا سيما عند حلول الشدائد، التأسي بأهل المصائب، فإن ذلك يطفئ نار مصيبته؛ فإن المرء لو فتش العالم لم يرَ فيهم إلا مبتلىً: إما بفوات محبوب، أو حصول مكروه، وإن سرور الدنيا أحلام نوم أو كظل زائل؛ إن أضحكت قليلاً أبكت كثيراً، وإن سرّت يوماً أساءت دهراً.

3- معرفة الإنسان نفسه:

أن يعرف الإنسان أنه مِلْك لله تعالى أولاً وآخراً، فالله هو الذي وهبه السمع والبصر والفؤاد وأسبغ عليه نعمه ظاهرةً وباطنة: {وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ} (النحل: 53). فإذا نزل بالمرء نازل سلبه شيئاً مما عنده، فإنما استرد صاحبُ الملك بعض ما وهب، ولا ينبغي للمُودع أو المستعير أن يسخط على المالك إذا استرد يوماً من الدهر وديعته أو عاريته.

قال لبيد:

وما المالُ والأهلونَ إلا ودائعُ ولا بُدَّ يوماً أن تُردَّ الودائعُ

ومن ثَمَّ كان من هدي الصابرين إذا أصابتهم مصيبة أن يتذكروا هذا الأصل فيقولوا: {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ} (البقرة: 156).

4- اليقين بحسن الجزاء عند الله:

فإن مما يحث الإنسان على عمل ما، ويثبته عليه، ويزيده رغبة فيه، وحرصاً عليه، أن يطمئن إلى أنه مجزيٌ عليه جزاء مرضياً، ومن هنا وضعت الدول والمؤسسات المكافآت التشجيعية، والجوائز التقديرية للمحسنين والمتفوقين.

5- اليقين بالفرج:

ومما يعين الإنسان على الصبر: اليقين بأن نصر الله قريب، وأن فرجه آتٍ لا ريب فيه، وأن بعد الضيق سعة، وأن بعد العسر يسراً، وأن ما وعد الله به المؤمنين من النصر، وما وعد به المبتلين من العوض والإخلاف، لا بد أن يتحقق. وهذا كله مما يعزز الثقة بالله، وأمله فيه، فيبدد ظلمة اليأس والقنوط، ويذهب الهم والغموم، فتشرق النفس بالأمل.

6- الاستعانة بالله:

ومما يعين المبتلى على الصبر أن يستعين بالله تعالى، ويلجأ إلى حماه، فيشعر بمعيته سبحانه، وأنه في حمايته ورعايته. ومن كان في حمى ربه فلن يُضام.

7- الاقتداء بأهل الصبر والعزائم:

ومما يعين على الصبر: التأمل في سير الصابرين، وما لاقوه من صنوف البلاء، وألوان الشدائد، وبخاصة أصحاب الدعوات وحملة الرسالات، من أنبياء الله ورسله المصطفين الأخيار، الذين جعل الله من حياتهم وجهادهم دروساً بليغة لمن بعدهم، ليتخذوا منها أسوة، ويتعزوا بها عما يصيبهم من متاعب الحياة وأذى الناس.

8- الإيمان بقضاء الله وقدره:

ومما يعين المرء على الصبر إيمانه بأن قدر الله نافذ لا محالة، وأن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه “جفت الأقلام، وطويت الصحف”.

وهذا له أثره في نفس الإنسان؛ حيث يخفف عنها لوعة الأسى على ما فاتها، والحزن على ما أصابها.

* الآفات العائقة عن الصبر:

1- الاستعجال:

فإذا أبطأ على الإنسان ما يريد نفد صبره، وضاق صدره، ناسياً أن لله في خلقه سنناً لا تتبدل، وأن لكل شيء أجلاً مسمّى.. ولكل ثمرة أوان تنضج فيه، فيحسن عندئذٍ قطافها، والاستعجال لا ينضجها قبل وقتها.

2- الغضب:

فقد يستفز الغضب صاحب الدعوة، إذا ما رأى إعراض المدعوين عنه، ونفورهم من دعوته، فيدفعه الغضب إلى ما لا يليق به من اليأس منهم، أو النأي عنهم، مع أن الواجب على الداعية أن يصبر على من يدعوهم.

3- اليأس:

فهو من أعظم عوائق الصبر، فإن اليأس لا صبر له؛ لأن الذي يدفع الزارع إلى معاناة مشقة الزرع وسقيه وتعهده هو أمله في الحصاد، فإذا غلب اليأس على قلبه، وأطفأ شعاع أمله لم يبق له صبر على استمرار العمل في أرضه وزرعه.

المصدر / موقع إسلاميات