الحج وعلوم الدين و الحياة

كتب : مسعود صبري

لا يخفى على مسلم مكانة الحج في الإسلام، وأنها من الفروض الواجبة، فإن وجد المسلم الاستطاعة للحج وأخره كان آثما عند الله تعالى، لأن الله تعالى أكمل الإسلام بالحجّ لما أنزل هذه الآية في الحج يوم عرفة (اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دينَكُمْ وأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتي وَرَضيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً) /المائدة: 3/، وفي الخبر: من لم يمنعه من الحج مرض قاطع أو سلطان جائر ومات ولم يحجّ فلا يبالي مات يهوديًّا أو نصرانيّاً.

وإن الناظر لشعيرة الحج يجد أنها ترتبط بعدد من علوم الدين والحياة، ولا شك أن ارتباط الحج بهذه العلوم يختلف من علم لآخر، فقد يكون ارتباطا وثيقا لا ينفك عنه، وقد يكون ارتباطا غير مباشر، وقد يكون ارتباطا من وجه دون آخر.

الحج وعلم التوحيد

وأول تلك العلوم التي ترتبط بالحج هو علم التوحيد، فهو أصل كل عبادة وتصرف للمسلم يريد بها وجه الله تعالى، فالحج إن لم يكن خالصا لوجه الله تعالى، فهو غير مقبول، وإن وقع صحيحا، لأن المسلم إن أتى أركان الحج وواجباته فقد صح حجه، لكن القبول يجب أن يكون مرتبطا بعلم التوحيد من جهة أن لا يقصد به إلا وجه الله تعالى، ولهذا قال الله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ } [البقرة: 196]، وقوله سبحانه: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران: 97]، ولعموم قوله صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه النسائي: ” إن الله عز وجل لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصا، وابتغي به وجهه” .

وقد قال ابن الجوزي في التبصرة (2/ 262) :” وينبغي لمن أراد الحج أن يفهم معنى الحج، فإنه يشار به إلى التجرد لله عز وجل ومفارقة المحبوبات”.

وقد دأب بعض الناس في زماننا أن يحجوا بيت الله الحرام ليقال لهم: حاج، بل ربما يغضب بعضهم إن نودي باسمه أو كنيته بعد أداء الحج، ويقول: أأنفق كل ما أنفقت للذهاب للحج، ثم تقول لي: يا فلان، بل قل لي: يا حاج فلان!!

الحج وعلم الفقه

من العلوم التي ترتبط ارتباطا وثيقا بالحج علم الفقه، وتعلم فقه الحج من فروض الأعيان على من أراد أداء مناسك الحج، فكل مسلم يقوم بعمل، لابد أن يعرفه.

فلابد أن يعرف الحاج أركان الحج وواجباته ومستحباته ومحرماته ومكروهاته وما يجوز فعله فيه، وأن يعرف متى يبدأ، ومتى ينتهي، وما المحظورات التي ينهى عن إتيانها؟ وما الأشياء التي يجب أن يكفر عنها إن أتاها؟ وما الأشياء التي لا تقبل الكفارة؟

الحج وعلم السلوك

ومما يحتاجه مريد الحج أن يعرف جوهر علم السلوك، ويقصد به حضور القلب عند قيام العبد بالطاعة، فكثير من الناس يذهب للحج، ويقوم بأداء أفعال الحج كحركات دون شعور بجوهر الحج، فلا يحضر قلبه فيه، فيرجع وكأنه لم يحج، فجوهر الحج حضور القلب في بيت الرب؛ فيتولد عنه الخشية والتوبة والإنابة.

يقول ابن الجوزي في التبصرة (2/ 262):

” وليتذكر (الحاج) بأهوال الطريق الأهوال بعد الموت وفي القيامة، وبالإحرام الكفن، وبالتلبية إجابة الداعي، وليحضر قلبه لتعظيم البيت، وليتذكر بالالتجاء إليه التجاء المذنب، وبالطواف الطواف حول دار السيد ليرضى، وبالسعي بين الصفا والمروة التردد إلى فناء الدار، وبرمي الجمار رمي العدو.

وكما أن للأبدان حجا فللقلوب حج؛ فإنها تنهض بأقدام العزائم وتمتطي غوارب الشوق، وتفارق كل محبوب للنفس، وتصابر في الطريق شدة الجهد، وترد مناهل الوفاء لا غدران الغدر، فإذا وصلت إلى ميقات الوصل نزعت مخيط الآمال الدنيوية، واغتسلت من عين العين، ونزلت بعرفات العرفان، ولبت إذ لبت من لباب اللب، ثم طافت حول الإجلال، وسعت بين صفا الصفا ومروة المروءة، فرمت جمار الهوى بأحجار، فوصلت إلى قرب الحبيب”.ا.هـ

الحج وعلم الجغرافيا

ومن العلوم التي يستعملها الحاج في حجه علم الجغرافيا، وذلك ابتداء من معرفة المواقيت المكانية، وأين تقع؟ وكذلك معرفة أماكن المناسك، وما يتعلق بكل منسك من المناسك من أفعال.

ولعل التاريخ يذكر أن هناك صلة وثيقة بين الحج وعلم الجغرافيا؛ فقد كان الحج سببا في تطور علم الجغرافيا عند المسلمين، فقد كان المسلمون يسافرون للحج من أقصى بقاع الأرض إلى مكة المكرمة، ونتج عن هذا الترحال أن وضعوا خرائط دقيقة لكل مكان ينطلقون منه إلى الحج، ولهذا يلاحظ أن الخرائط الأولى للمسلمين تجعل مكة هي وسط الأرض، فكان خط الطول المار بها يحسب تبعا لخط الزوال، وقد أخذت أوربا هذه الفكرة عن المسلمين، لكنها غيرت مكة، واختارت مكانها ( جرنيتش) في بريطانيا مقياسا.

الحج وعلم الفلك

ومما يتعلق بالحج من علوم علم الفلك، والذي من خلاله تعرف الشهور وأهلتها، والتي أشار الله سبحانه وتعالى إليها بقوله: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ } [البقرة: 189]

وقد ورد في سبب نزولها عن ابن عباس أن معاذ بن جبل وثعلبة بن غنيمة قالا: يا رسول الله ما بال الهلال يبدو دقيقا مثل الخيط ثم يزيد حتى يعظم ويستوي ويستدير، ثم لا يزال ينقض ويدق حتى يعود كما كان لا يكون على حال واحد؟ فنزلت.

ومما ينبغي على الأمة العناية به علم الفلك، خاصة فيما يتعلق برؤية أهلة الشهر، فما يزال الخلاف فيها كبيرا محتدما، وقد يثبت الخطأ أحيانا، بل أعلنت بعض الدول الكبرى أنها أخطأت في رؤية الهلال، فمن العجيب أنه لا يزال الخطأ موجودا مع ما توصل إليه العلم من تقدم!

الحج وعلم الصحة

ومما يتعلق بالحج علم الصحة؛ من جهة أن الحاج لابد أن يكون صحيحا قادرا على أداء الحج، ويفهم ذلك من قوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران: 97]، وقد فسر العلماء القدرة بنوعيها: القدرة المادية والقدرة الصحية.

فعلى مريد الحاج أن يستعد للحج من جهة الصحة، فيعلم ما يحفظ صحته أثناء أدائه فريضة الحج، ومن ذلك ما تقوم به وزارات الصحة من التطعيم؛ فينبغي الالتزام به، كذلك الحفاظ على العادات الصحية أثناء الحج.

ومما يؤسف له تصرفات نفر من الحجيج أثناء الحج بما ينافي النظافة والحفاظ على الصحة، سواء ما يتعلق بالطعام والشراب ورمي الفضلات بجوارهم، وكذلك عدم المحافظة على نظافة المكان وغير ذلك مما يشين تصرفات البعض أثناء الحج.

ومما يتعلق بالصحة والحج، أن للحج تأثيرا إيجابيا على صحة الإنسان، فالطمأنينة وراحة البال وهدوء النفس وما يرزقه الإنسان من خشية وسكينة لها تأثير إيجابي على صحته، سواء من جانب الوقاية أو من جانب العلاج.

كما أن الجهد الذي يبذله الحج في مناسك الحج له أثر كبير على الحفاظ على صحته.

الحج وعلم الإدارة

ومما ينبغي لمريد الحاج أن يتعلمه بعض فنون الإدارة مما يتعلق بالحج، من كيفية الاشتراك في الحج، وهذا يختلف من بلد لأخر، وكذلك كيفية الحجز والسكن، وهل يقوم به أم الحملات التي سيحج معها، وما ينبغي أخذه معه في أثناء رحلة الحج و كذلك نفقات الحج في كل ما يتعلق به من أمور، سواء الحجز أو السكن، والطعام والشراب وغير ذلك مما يحتاجه .

والخلاصة:

أن الحج من المناسك التي ترتبط بها كثير من علوم الدين والحياة، ولا تتوقف العلوم عند ما ذكر، بل هي على سبيل التذكرة والتنبيه، لعله يجيء من هو أفضل؛ فيكشف عما لم نصله، ويكفينا شرف التذكير والتنبيه.