أكذوبة “الرئيس المعزول”

من بين كل المقالات التي انتقدت مرسى وجماعته حين كان في سدة الحكم كانت مقالاتى هي الأعنف والأكثر ضراوة، بل لعلى لم أكتف بذلك فقط فقد قررت أن أخاطر بحياتى وأذهب للهجوم عليهم في عقر دارهم بقناة الجزيرة. وأمضيت هناك أكثر من شهر في مناظرات سياسية مع مشاهير إعلامييهم، متحملا في سبيل ذلك عتب ولوم الأصدقاء وسب وقذف الخصوم.

 

لا مجال إذن للمزايدة على موقفى من مرسى وجماعته، ولعل ذلك يشهد لي بحسن النية وسلامة القصد حين أعلن اليوم تضامنى الكامل مع السجين محمد مرسى ورفاقه في مطالبهم التي أقرتها لهم المواثيق والمعاهدات الدولية. إضافة إلى الدستور والقوانين المصرية، فلم أكن حينذاك أهاجم مرسى شخصيا بل كنت أهاجمه فعلا حين رأيته مستهينا بالقوانين والدستور الذي أقسم على احترامه ثلاثا.

 

وليس من المعقول ولا المقبول بالنسبة لي أن أخالف ضميرى بالتزام الصمت حيال الاستهانة بالقانون والدستور من قبل غيره الذي يحتل الآن موقعه في سدة الحكم، فيتبع سياسة جائرة ومسالك ظالمة مع من هم في ذمته من السجناء، مخالفا بذلك كل الأعراف والقوانين الدولية والإنسانية التي تحفظ لهؤلاء كرامتهم الآدمية، وتمنحهم حقوقا تعصى على المساس إلا من ظالم أو مستبد.

 

نعم لقد ارتكب مرسى كثيرا من الانتهاكات التي ترقى إلى مستوى الحماقة حين كان في سدة الحكم، ولكن هذا لا يبرر ما يحدث معه الآن من انتهاكات تفوق في حماقتها حد الشطط. فمن حقه أن يلتقى مع محاميه، ومن حقه أن يلقى الرعاية والعلاج اللازم، ومن حقه أن يرى من يطلب رؤيته من أفراد عائلته، ومن حقه ألا يظل طويلا في حبس انفرادى إلا تنفيذا لعقوبة عن مخالفة ارتكبها داخل السجن ولفترة مؤقتة، ومن حقه أن يطالع الصحف اليومية، ومن حقه أن يتناول الطعام الذي يروق له، ومن حقه أن يلتقى بكل من يطلب زيارته.

 

كل تلك الحقوق لا يحصل عليها مرسى رغم التأكيد عليها في الدستور والقانون، وفي كل المواثيق والمعاهدات الدولية التي وقعت عليها مصر بالموافقة، خاصة وأنه ليس سجينا عاديا، فقد كان رئيسا منتخبا اختارته الملايين من أبناء الشعب.

 

ولعل الاستهانة بمرسى الآن هي في حقيقتها استهانة بكل التقاليد والأعراف الديموقراطية، خاصة وأنه لم يخرج من الحكم من نفس الباب الذي دخل منه، باب الديموقراطية بل أن قرارا بعزله لم يصدر به حتى الآن حكم قضائى بات، أو حتى قرار رئاسى من أحد الرئيسين اللذين خلفاه في الحكم، ودعوة السيسي إلى انتخابات رئاسية في بيانه الذي تلاه في 30 يونيو لم يتضمن خلو منصب الرئيس بالعزل قسرا أو بالتنحى طوعا، ولهذا فهو من الناحية القانونية والدستورية لا يزال الرئيس المنتخب للبلاد، وحصوله على لقب “المعزول” ليس سوى أكذوبة ظللنا نرددها دون سند من قانون أو دستور أو حتى منطق.

 

ولا يعقل أن يلقى رئيس مصرى حتى وإن كان معزولا بالفعل ما يلقاه من عنت واضطهاد لا يليق بدولة تحترم نفسها فضلا عن احترامها الواجب للقانون والدستور والأعراف الإنسانية. لماذا لا يتم الإفراج عن مرسى بقرار يحدد إقامته وسط أهله خاصة وأنه قد بلغ من العمر أرزله ولم يعد له من حول ولا قوة من بعد أن تمكنت منه قائمة طويلة من الأمراض المزمنة؟ من حقه أن يحيا أيامه الأخيرة كما يحب وسط من يحب.

 

هذا أقل ما يجب أن نطالب له به باعتباره أول رئيس مصرى يأتى بالصندوق تعبيرا عن إرادة الأغلبية من شعبه حتى لا يترسخ في أذهان الشعب أن ديموقراطية الصندوق هي الطريق الأقصر إلى السجن!