كيف يعيش أهالي المختفين قسرياً والمحكوم عليهم بالإعدام؟

لا تختلف معاناة أهالي المختفين قسريا عن معاناة أهالي المحكوم عليهم بالإعدام، ولا تستطيع أن تفرق بين هذا الوجع أو ذاك، بل لا تستطيع أن تعرف أيهما أشد ألما، ويعاني الجميع أشد المعاناة بين اليأس في العثور على ذويهم والأمل في ظهورهم، بين الخوف من تصفيتهم وإلصاقهم بتهم وجرائم كاذبة، وبين ظهورهم بقضايا ملفقة واعترافات تحت وطأة التعذيب، وبين أن يشتعل فتيل الضمير المستهلك في جوف قاض، ويعترف من فوق المنصة أنه يحكم بالأوامر العسكرية لا بالعدل ولا بالقانون، وان من ارتدى بدلة الإعدام الحمراء برئ من كل تهمة براءة الذئب من دم ابن يعقوب عليه السلام.

ومنذ انقلاب الثالث من يوليو، تعاني مصر من انتهاكات متنوعة لحقوق الإنسان ، وهو الأمر الذي لا يعتبر جديدا في مصر المنكوبة، فمنذ انقلاب عام 1954 على الرئيس محمد نجيب ، ووصول المؤسسة العسكرية لإدارة شئون البلاد ، والوضع في مصر من سيء إلي أسوأ ، فالانتهاكات وقمع الحريات هو ما يميز الحياة العامة في مصر تحت ظل حكم العسكر.

أوقفوا الإعدامات

قبل يومين نعت جماعةُ الإخوان المسلمون في محافظة السويس، الشاب عبد الرحمن إبراهيم محمود، وشهرته عبد الرحمن الجبرتي، الذي تم إعدامه أول أمس داخل المعتقل، متهمة سلطات الانقلاب بـ “الفشل في إدارة البلاد، وجرها إلى الدمار والخراب، ومن ثم طحن الشعب في أتون الغلاء والأمراض والفساد، فضلا عن مداراة النظام للخيبة والفشل بمزيد من القتل وسفك الدماء”.

ومنعت سلطات الانقلاب رابطة “المختفين قسريًّا” وحملة “أوقفوا الإعدامات العسكرية للمدنيين” من تنظيم وقفات كالسابق على سلَّم نقابة الصحفيين بمشاركة أهالي المختفين قسريًّا وأهالي المحكوم عليهم بالإعدام، وذوي المحالين، إلى المفتي في قضايا عسكرية، وذلك للمطالبة بالإفراج عن ذويهم.

يقول الناشط خالد مصطفى:” أنا مبقتش قادر استحمل الأخبار دي ولا الوجع ده ، مبقتش قادر أنام والله ، أنا اللي كل اللي بعمله إني بتابع يمكن عن قرب شويه بس في الآخر متابع لا أكثر ولا اقل ،، طيب الناس اللي ولادها معتقلين بيعملو إيه ؟ اللي بنته معتقله ده بينام ازاي؟ اللي ابنه واخد إعدام وممكن يتنفذ في أي وقت عايش حياته ازاي ؟ اللي ابنه مختفي قسريا ده قادر يعيش ازاي”؟

أبطال تستحق المساندة

وأردف:”الناس دي أبطال ، أبطال بمعني كلمة.. أبطال الناس دي تستحق إننا ندعيلهم ونساندهم ونقف جنبهم ، زهرة شباب المسلمين واطهر من فينا بيروحوا كل يوم قدام عنينا واحنا عاجزين مشلولين مغلوب على أمرنا احنا أموات مش قادرين نعمل حاجة. حسبنا الله ونعم الوكيل ، حسبنا الله ونعم الوكيل.. عموما أنا بجد محبط ومش قادر خلاص الأخبار كلها برائحة الموت حاولت أتعايش وأكمل بس مش قادر والله ما قادر نفسيتي مدمرة بمعني الكلمة استودعكم الله لحين استعادة نفسي”.

مطالب لا تتحقق

ويطالب أهالي المختفين قسريا عن معاناة أهالي المحكوم عليهم بالإعدام، مراراً وتكراراً بالكشف عن مصير جميع المختفين قسريا ومحاسبة كل المسئولين عن إخفائهم لتلفيق اتهامات مفبركة لهم، إلى جانب إيقاف أحكام الإعدامات والمحاكمات العسكرية.

غدر العسكر

ورصدت منظمات حقوقية على مدار خمس سنوات احتجاز ما يزيد على 60 ألف معارض للانقلاب، إضافة إلى مئات حالات الإخفاء لمعارضين، وتعرض أكثر من 3200 طفل للاعتقال، وأكثر من 800 منهم في السجون ودور الأحداث والمؤسسات العقابية حتى الآن منذ انقلاب يوليو 2013، الذي غدر فيه الجيش بالرئيس المنتخب محمد مرسي.

وحظيت محافظة المنيا بالعدد الأكبر في أوامر الإحالة إلى المفتي، إذ بلغت 1211، تليها الجيزة 233، ثم القاهرة 178 ، حيث يتنوع المحالون للمفتي والمحكوم عليهم بالإعدام بين شرائح ثقافية واجتماعية عدة، منها: أئمة وخطباء مساجد، وباحثون وأساتذة جامعات، وطلاب، وصحفيون ومهندسون وأطباء ورجال أعمال، إضافة إلى ربات البيوت.

وتبقى حياة عشرات آلاف المعتقلين وراء القضبان في مهب الريح ، حيث تؤكد شهادات تعرضهم لانتهاكات شتى ، وتقول منظمات حقوقية إنها نوع من القتل البطيء ، وتتمثل في التعذيب والحرمان من الغذاء والأدوية والرعاية الطبية، وقد توفي جراء ذلك أكثر من 300 معتقل.

وهم السيطرة

وينتاب القلق أهالي المعتقلين والمختفين قسرياً في جميع محافظات مصر شرقا وغرباً، وخصوصاً من أبناء سيناء في هذه الآونة، بعد أن أصبح مصير أبنائهم الموت على يد سلطات الانقلاب وقتما أرادت ذلك، وبأحكام من المحاكم العسكرية التي لا تعطي فرصة للمتهمين بإحضار محامين للدفاع عنهم، أو إبلاغ أهاليهم بما يحدث معهم في المعتقلات أو المحاكم.

كارثة في سيناء

وباتت سلطات الانقلاب تتخذ من الإعدامات مساراً جديداً للتعامل مع أهالي سيناء، وهو دليل جديد على أن سلطات الانقلاب لم تعد تستطيع السيطرة على الوضع هناك، وتحاول بالإعدامات الظهور أمام الرأي العام المصري بمظهر المسيطر وبأنها تعتقل وتحاكم وتقتل المتهمين بارتكاب جرائم إرهابية ضد قوات الأمن من وجهة نظرها.

ومن الواضح أن عدد الحالات التي يتم فيها انتهاك لحقوق الإنسان وتمر دون رصد تفوق بمراحل عدد الحالات التي يتم رصدها ، وتظل الحالات النادرة التي تنتقل إلى الرأي العام هي البوصلة التي تلقى الضوء على هذا الملف الحيوي، فاهتمام الرأي العام بالقضايا الشهيرة ليس إلا لإلقاء الضوء على جميع الحالات دون تمييز أي منها على الأخر، وفي السابق حظيت قضيتا “خالد سعيد” و”سيد بلال” باهتمام الرأي العام بشدة وساعدتا على إلقاء الضوء على الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان التي أفضت إلى الموت ، ويعتبر الكثير أن قضيه”خالد سعيد” تعتبر من شرارات ثوره يناير 2011.