في عهد السيسي.. الجيش “يغزو” الاقتصاد المصري

منذ تولى عبد الفتاح السيسي الحكم في مصر، زاد تدخل الجيش في الاقتصاد عبر شركات باتت موجودة في معظم القطاعات وتنفذ مشاريع بمليارات الدولارات، مما أثار قلقا في أوساط القطاع الخاص.
وجاء في تقرير أعدته وكالة رويترز على مدى عام أن التقديرات تتباين بشأن حصة الجيش في الاقتصاد المصري، ففي حين قال السيسي في ديسمبر/كانون الأول 2016 إنها لا تتعدى 2%، يقول البعض إنها ربما تبلغ 50%.

ويدافع الرئيس المصري عن الدور المتعاظم للمؤسسة العسكرية في الاقتصاد، ويبرر ذلك بأن الجيش يمكنه إنجاز مشروعات كبرى معقدة أسرع بكثير من القطاع الخاص.

وترد الحكومة على شكوى القطاع الخاص من المنافسة المتزايدة من قبل الشركات التابعة للقوات المسلحة بأن كل الشركات تتم معاملتها معاملة متساوية، وتقول إن الجيش يسد ثغرات في السوق مثلما فعل خلال أزمة نقص حليب الأطفال في العام 2016.

ويبدي بعض رجال الأعمال المصريين والمستثمرين الأجانب انزعاجهم لدخول الجيش في أنشطة مدنية، وهم يشكون من امتيازات ضريبية وغيرها ممنوحة لشركات القوات المسلحة.

وفي سبتمبر/أيلول الماضي، حذر صندوق النقد الدولي من أن مشاركة كيانات تخضع لوزارة الدفاع قد تعوق تطوير القطاع الخاص واستحداث الوظائف.

عمال ينقلون ثلاجة في مصنع تابع لشركة حلوان بضواحي القاهرة (رويترز)

مشاريع كبيرة
وقد أوكلت السلطات المصرية إلى الجيش تنفيذ وإدارة مشاريع كبيرة على غرار مشروع تطوير العاصمة الإدارية الجديدة، التي تقدر استثماراتها بنحو 45 مليار دولار وتقع على مسافة 75 كيلومترا شرقي القاهرة، وهو يملك 51% في الشركة التي تتولى المشروع.

كما أنه يشارك في تطوير مدينتين جديدتين هما مدينة العلمين الجديدة على ساحل البحر المتوسط، وهضبة الجلالة في المنطقة الجبلية عند شمال البحر الأحمر. وتتوزع أنشطته الاقتصادية الأخرى على قطاعات كثيرة عدة كالصناعة والزراعة والطاقة، وتشمل مشاريعه المنتجعات السياحية ومزارع الأسماك.

وتشمل المشروعات التي أعلنت عنها وزارة الإنتاج الحربي العام الماضي خطة لزراعة عشرين مليون نخلة مع شركة إماراتية، ومصنعا للسكر من إنتاجها من التمور، فضلا عن مشروع مع شركة سعودية لتصنيع المصاعد. وكانت القوات المسلحة المصرية افتتحت أكبر مزرعة سمكية في الشرق الأوسط في منطقة بدلتا النيل شرق الإسكندرية.

وبالإضافة إلى ما سبق، وقعت وزارة الإنتاج الحربي الأسبوع الماضي مذكرة تفاهم مع مجموعة “جي سي أل” الصينية لإقامة مصنع لإنتاج الألواح الشمسية بقيمة ملياري دولار، كما تولت الوزارة مسؤولية رصف الطرق داخل المدن من وزارة النقل، وهي تسيطر الآن على محطات رسوم المرور على معظم الطرق السريعة الرئيسية.

ووفق أرقام وزارة الإنتاج الحربي، وهي إحدى ثلاث جهات رئيسية تشرف على مشروعات القوات المسلحة، فإن إيرادات شركاتها ترتفع ارتفاعا حادا. كما نقلت رويترز في تقريريها عن رؤساء تسع شركات تابعة لوزارة الإنتاج الحربي مدى توسع أنشطة شركاتهم، واستعرضوا خططهم للنمو مستقبلا.

بعض منتجات شركة حلوان للصناعات الهندسية بالقاهرة (رويترز)

مزايا مختلفة
ويتزايد تغلغل المؤسسة العسكرية المصرية في الاقتصاد مستفيدة من مزايا وإعفاءات ضريبة. ففي 2016 منح قانون جديد لضريبة القيمة المضافة إعفاءات للقوات المسلحة وغيرها من المؤسسات الأمنية.

وقال رئيسا شركتين من الشركات الهندسية التابعة لوزارة الإنتاج الحربي (شركة أبو زعبل للصناعات الهندسية وشركة حلوان للصناعات الهندسية) إن الحصول على تمويل أصبح أسهل كثيرا في السنوات الأخيرة. وفي 2015 أصدر وزير الدفاع مرسوما أعفى بمقتضاه حوالي 600 فندق ومنتجع وغيرها مملوكة للقوات المسلحة من الضرائب العقارية.

كما تحصل شركات القوات المسلحة على إعفاء من رسوم الاستيراد بمقتضى قانون صدر عام 1986 ومن ضريبة الدخل بمقتضى قانون صادر عام 2005. ويمنع معاينة الشحنات المرسلة إلى شركات القوات المسلحة.

وينص القانون على ألا تدفع القوات المسلحة ضريبة القيمة المضافة على السلع والمعدات والآلات والخدمات والمواد الخام اللازمة لأغراض التسلح والدفاع والأمن القومي. كما توجد قوانين أخرى أيضا لصالح الجيش.

تهديد للمستثمرين
وهناك مخاطر لهيمنة الجيش المتزايدة على الاقتصاد المصري، وفق مراقبين غربيين. فقد قال مسؤول تجاري بإحدى السفارات الغربية إن المستثمرين الأجانب يرفضون الاستثمار في القطاعات التي تتوسع فيها القوات المسلحة أو التي قد تدخلها خشية الدخول في منافسة مع الجيش وما يتمتع به من مزايا خاصة قد تعرض استثماراتهم للخطر.

وأضاف أنه إذا خاض مستثمر نزاعا تجاريا مع القوات المسلحة فلا معنى لرفع الأمر لهيئة تحكيم، قائلا “لا يمكنك سوى مغادرة البلاد”. ولكنّ اقتصاديين مصريين لا يتبنون الرأي نفسه إذ يرون أن الحكومة تسعى لتأمين مصالحها في القطاعات الإستراتيجية وتحقيق نمو يقوده القطاع الخاص.