عمال المحلة أيقونة نضال

دخلت عمال عدة مصانع بشركة غزل المحلة في اعتصام أمس؛ احتجاجا على عدم صرف العلاوة الاجتماعية بنسبة 10%، التي أقرها مجلس النواب مؤخرا للعاملين غير الخاضعين لقانون الخدمة المدنية بالدولة، كما طالبوا بصرف 220 جنيها حوافز شهرية لجميع العاملين بأثر رجعي، وتنفيذ حكم المحكمة بصرف الحافز، وزيادة بدل الغذاء من 3 جنيهات إلى 10 جنيهات يوميا؛ لمواجهة الزيادة في غلاء الأسعار.

وتعد المحلة مدينة التمرد والثورة، وتزخر بالأيدي العاملة الماهرة، التي تحمل صناعة الغزل؛ إحدى الصناعات العريقة، وعندما تنتفض المدينة وعمالها لتحسين أوضاعهم الاقتصادية، لم تناد يوما بمطالب فئوية، بل كانوا يمثلون دائما ترمومترا يعكس حالة عموم المصريين، حيث كانت إضرابات 6 أبريل 2008 بمثابة شرارة الغضب التي ولدت من رحمها ثورة يناير.

إضرابي 2006 و2007

انطلق عام 2006 بعد ركود الحركة العمالية لسنوات، واستمر لمدة 3 أيام، واضطرت الحكومة آنذاك إلى التفاوض مع العمال وتنفيذ مطالبهم التي تلخصت في صرف مكافأة سنوية بواقع أجر شهرين لكل سنة تحت بند الأرباح.

وكان إضراب ديسمبر 2007، الثاني لعمال الغزل، واستمر لمدة أسبوع؛ للمطالبة بتحسين الأجور وأوضاع العمل، وإقالة إدارة الشركة المملوكة للدولة، وانتخبت لجنة عمالية للتفاوض، لحماية المنشآت والمعدات حتى لا تقع أي مؤامرات للتخريب وإدانة العمال من خلالها.

وأسس عمال “غزل المحلة” وموظفي “الضرائب العقارية” آنذاك، لجنة لقيادة الإضراب تكون منتخبة من جميع المحافظات، وتضم ممثلين عن الشركات والمصانع من مهامها تنظيم الإضراب وإجراء المفاوضات واتخاذ القرارات بعد التشاور مع المضربين.

وقرر أعضاء لجنة قيادة الإضراب بعد نجاحه، تحويل اللجنة إلى نقابة مستقلة، وانسحاب قادتها بشكل جماعي من النقابات الرسمية التي يرونها موالية للدولة، ومن هنا انطلقت الحركة النقابات المستقلة في مصر، التي اتسعت اليوم لتشمل أكثر من 200 نقابة.

إضرابي 2008

حمل إضراب2008  طابعا خاصًا؛ حيث تحولت مطالب العمال من مجرد مطالب مباشرة خاصة بالعمال داخل الشركة إلى مطالب عامة وشاملة تهتم بالطبقة العمالية ككل سواء كان قطاع كامل او صناعة بذاتها، وفي 17 فبراير 2008، خرجت مظاهرة ضخمة لرفع شعار واحد فقط وهو الحد الأدنى للأجور لكل العمال، وطالبوا أن يكون 1200 جنيه شهريا.

ويعتبر إضراب أبريل الأقوى تأثيرًا؛ حيث شجع العديد من الحركات السياسية والإصلاحية آنذاك، بعد تلقيهم إعلانًا من “عمال المحلة” لخوض الإضراب، وكانت حركة 6 أبريل تأسست بالتزامن مع دعوات الإضراب.

وحاولت قوات الأمن منع العمال، وكثفوا من تواجدهم داخل الشركة؛ ونجحوا في إخماد الإضراب، ولم يلبث الأمر كثيرًا حتى تفاجأت الأجهزة الأمنية بانتفاضة شعبية خرجت في شوارع المدينة، وللمرة الأولى مزقت المظاهرات صورا لـ”مبارك” كانت معلقة في ميادين المحلة، ولم تهدأ الاحتجاجات حتى توجه أحمد نظيف، رئيس مجلس الوزراء قبل ثورة 25 يناير، إلى المدينة بصحبة وفد وزاري، وتعهد بطرح سلع مدعومة في المدينة، وضخ استثمارات بشركة الغزل.

إضرابي 2012 و2015

اعترض عمال المحلة في ديسمبر 2012، على الإعلان الدستوري والمسودة النهائية له التي أعدها الرئيس المعزول محمد مرسي، وفي إضراب ديسمبر 2014، رفضت إدارة الشركة صرف أرباح العمال، ما دفعهم للاحتجاج والتظاهر، وتقدموا بالعديد من الطلبات إلى مجلس الوزراء ومكاتب العمل لحل مشاكلهم.

وبعد تفاقم الأزمة، زار المهندس إبراهيم محلب، رئيس الوزراء، وقتها، مقر الشركة، ووعد العمال بصرف الجزء الأخير من الأرباح في أول يناير 2015، والمتمثلة في شهرين من أصل 6 أشهر قد صرف 4 منهم أول ديسمبر الماضي، إلا أن الإدارة لم تلتزم بالاتفاق.

وأصدرت الإدارة بعد زيارة محلب الذي وعد بحل الأزمة خلال شهرين، منشورا يفيد بعقد جمعية عمومية في 27 يناير وصرف باقي مستحقاتهم، إلا أن العمال رفضوا ورفعوا سقف مطالبهمبإقالة رئيس مجلس الإدارة، وفتح ملفات الفساد، وإحالة الفاسدين إلى النيابة العامة، وإعادة هيكلة الأجور، بالإضافة إلى مطالبهم بتنفيذ وعود محلب.

وقال مجدي عبد الفتاح، مدير المركز العربي للبحوث والدراسات العمالية، إن أسباب احتجاجات عمال المحلة المتكررة، انعكاس طبيعي لتردي أوضاع صناعة الغزل والنسيج في مصر، نتيجة تعنت الحكومات المتعاقبة، سواء قبل الثورة أو بعدها، متابعا: “على مدار سنوات طويلة تقدم العمال وجميع الكيانات المهتمة بصناعة الغزل والنسيج بمقترحات عديدة لإعادة هيكلة الصناعة وتطويرها، ومن ثم النهوض بأوضاع العمال والقضاء على مشكلاتهم، لكن الحكومات تتعمد التخريب الممنهج للصناعة الغزل والنسيج؛ من أجل تفكيك مصانعها الضخمة والاستيلاء على أراضيها الواسعة، وتفتيتها إلى مصانع صغيرة للمستثمرين ورجال الأعمال، بحسب تعبيره.

وأضاف عبد الفتاح لـ”البديل” أن الإضراب الأخير لعمال مصانع المحلة، يأتى بعد ضربة قاسية ضاعفت من مشاكل القطاع، نتيجة القرارات الاقتصادية التي اتخذتها الدولة في نوفمبر 2016، بتعويم الجنيه، دون مراعاة الأبعاد الاجتماعية للفئات المعدمة والفقيرة والمتوسطة، محذرا من خطورة إضراب عمال المحلة هذه المرة، واصفا إياه بـ”إنذار” للحكومة، في إشارة إلى إضراب 2008، حيث كانت المحلة الترمومتر الدائم الذي شهد عدة إضرابات واحتجاجات متتالية مثلت نواة لثورة يناير 2011، مطالبا الحكومة بوضع حلول جذرية لأزمة صناعة الغزل والنسيج في مصر، وأن تستفيد من جميع المقترحات والدراسات الخاصة برسم استراتيجية محددة لإنقاذ الصناعة.

وأوضح إيهاب شلبي، القيادي العمالي بأحد مصانع الغزل والنسيج، أن استمرار الأزمة مرتبط بغياب وضعف الإرادة السياسية، متابعا: “الأزمة معروفة منذ عشرات السنين، وتحتاج إلى حزمة من القرارات لضبط فوضى التشريعات المنظمة لقطاع الغزل والنسيج والملابس، وأبسط القرارات إلغاء الشركات القابضة، وأن تعود المصانع إلى إشراف وزارة الصناعة مباشرة، بالإضافة إلى إلغاء قانون 203 لأنه غير دستوري، بجانب تمويل مصانع الغزل من أجل تطويرها والنهوض بها، فضلا عن تفعيل قيمة دعم التصدير على القيمة المضافة، وليس على الخامات؛ لأن صناعة الغزل تعتمد على 90% منها مادة خام”.

وأشار شلبي لـ”البديل” إلى أن إضرابات عمال المحلة وغيرهم سوف تستمر طالما قانون الحريات النقابية حبيس الأدراج، ويغيب عن دائرة اهتمامات مجلس النواب، مختتما: “العمال ليس لهم حاليا نقابات تمثلهم أو تعبر عنهم؛ نظرا لعدم إجراء الانتخابات منذ 2006، ومن ثم حقوق العمال، قضية متشابكة تبدأ بضرورة إنقاذ صناعة الغزل في المقام الأول، ثم خروج قانون الحريات النقابية للنور”.